كيف نستفيد من علم التفسير في تدبر القرآن
الفرق بين التفسير و التدبر و التأثر
التفسير
قد يتساءل بعض الأشخاص عن أسباب تميز علم التفسير وأهميته، وعن اتجاهات التفسير وشروط المفسر وضوابط التفسير، ويستمر في البحث عن الضوابط الصحيحة للتفسير وعن مراحل نشأة علم التفسير.
التفسير هو شرح معاني القرآن العظيم، ويتم ذلك إما بجهد فردي من قبل المفسر أو بالاعتماد على التقليد.
والاجتهاد قسمين:
- يتطلب التفسير الدقيق للآية الاجتهاد في تحديد المعنى المراد منها، ويعتبر الأئمة الحجة التي يتم الرجوع إليها من قبل الصحابة والتابعين وأتباعهم.
- يمكن للشخص أن يجتهد في اختيار الأقوال بين الأئمة السابقين، أو بناء قول على قولهم، ومن بين هؤلاء الإمام ابن جرير، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم.
اتفق العلماء على أهمية علم التفسير كونه أعمق وأجل وأهم العلوم، ويساعد في فهم حقيقة كيفية الوصول إلى معاني آيات كتاب الله عز وجل.
يُعَد التفسير علمًا عظيمًا وجليلًا، لأنه يندرج ضمن أهم علوم الشريعة، حيث يُعَد شرحًا لكتاب الله عز وجل وبيانًا لمعانيه وأحكامه، وذلك لتسهيل فهمه على البشر بسهولة ويسر.
وبناء على ذلك، فإن مسؤولية الكلام عن الله عز وجل هي مسؤولية عظيمة، والتحدث في هذا الأمر بجهل أو بدون معرفة كافية يعتبر افتراء على الله عز وجل. لذلك، كان أصحاب السلف يتحاملون عن التحدث فيه بتأكيد، وكانوا يقولون دائما `الله أعلم بما قيل`. على الرغم من أن معرفتهم بالقرآن كانت كبيرة، يعتقد الكثيرون أن التفسير مجرد كتابة جيدة حول الآيات، وهذا غير صحيح. فالتفسير هو علم ينقله الأئمة والصحابة والتابعون وأتباع التابعين، ويجب دراسته ومعرفته بشكل صحيح وجيد، حتى يمكنك فهم معاني الكلمات والآيات في كتاب الله عز وجل.
تدبر القرآن
يتعلق التدبر فيالقرآن بالتفكر والتأمل في آياته، وذلك للاتعاظ والامتثال والتفاعل معها والاستفادة منها.
كيفية التفريق بين التدبر والتفسير من عدة وجوه
- يعنى التفسير بفهم المعنى المراد في الآيات، بينما يعنى التدبر بإدراك المغزى والمقصد من الآيات، واستخراج الدلالة والهداية منها، والتفاعل معها وفهم ما يدل عليها والامتثال لها.
- يجب على الناس جميعا أن يتدبروا القرآن للاستفادة منه واستهتارا به. لذلك، في بداية آيات التدبر، كان الخطاب موجها للكفار. وهناك درجات مختلفة في التدبر بين الناس، وتتفاوت هذه الدرجات بناء على عمق المعرفة والإيمان وقوة التفاعل والتأثر. أما التفسير، فإنه يجب على الناس تفسير القرآن وفقا لاحتياجهم لفهم كتاب الله تعالى. وهناك أيضا درجات مختلفة للتفسير، كما قال ابن عباس: “تفسير القرآن له أربعة أوجه: تفسير يعرفه العرب من لغتها، وتفسير لا يعذر به أحد بجهالته، وتفسير يعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
- التدبر لا يحتاج إلى شروط إلا فهم المعنى العام بشكل صحيح، وحسن القصد وصدق الطلب في التدبر، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17]، أما التفسير له شروط تم ذكرها من قبل العلماء، لأنه قول على الله، لذلك بعض السلف تورع عن التفسير لتجنب الإفتراء.
خطوات التدبر
تتألف عملية التدبر الصحيحة من عدة خطوات عملية لتجنب الوقوع في المحذور.
- يجب على القارئ أن يفهم المعنى العام والشامل للآيات، حتى يتمكن من تنظيم قراءته وتأمله فيها، لأن التأمل هو مرحلة متقدمة بعد التفسير، أي بعد فهم الآيات بشكل صحيح، والفهم المطلوب هو فهم بسيط، ولا يلزم تحقيق أقوال المفسرين وطرق أخرى. لأن القرآن موجه لأي شخص، ليس فقط لفئة محددة من البشر، كل ما عليك فعله هو الفهم البسيط الصحيح ثم التأمل.
- كلما زاد فهمك للآية، ومعرفتك بأسباب نزولها وفضلها، سيزداد تدبرك وعمق فهمك لها، فلا يقتصر الأمر على الكتب التي تحمل المعاني العامة، ولكن يجب أن تبحث عن ما هو أعمق من ذلك.
- من أعظم طرق التدبر في القرآن، مراجعة كل ما تحتفظ به في نفسك من كتب التفسير، أو ما يقوله أهل العلم عن كتاب الله
- يجب عدم نشر ما توصلت إليه قبل التأكد منه والتدقيق فيه، وعدم رفض الحق إذا تبين أن ما توصلت إليه خطأ، ويجب تنبيه الآخرين إلى الحق إذا كانوا على خطأ.
كيفية الإستفادة من علم التفسير في تدبر القرآن
لا يمكن التدبر بالشكل الصحيح قبل فهم المعنى الصحيح، فالمقصود من الآية هو أن استخدام علم التفسير في تدبر القرآن يتطلب فهم المعاني في البداية، وذلك من أجل تحقيق التدبر.
يقول الإمام الطبري رحمه الله في تقرير هذا المعنى: “وَفِي حَثِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِمَا فِي آيِ الْقُرْآنِ، مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالتِّبْيَانِ، بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]
وقال الله تعالى : {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر:27-28] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ، الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ، وَحَثَّهُمْ فِيهَا، عَلَى الِاعْتِبَارِ بِأَمْثَالِ آيِ الْقُرْآنِ، وَالِاتِّعَاظِ بِمَوَاعِظِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةَ تَأْوِيلِ مَا لَمْ يَحْجُبْ عَنْهُمْ تَأْوِيلَهُ مِنْ آيَاتٍ، لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ لَا يَفْهَمْ مَا يُقَالُ لَهُ وَلَا يَعْقِلُ تَأْوِيلَهُ: اعْتَبِرْ بِمَا لَا فَهْمَ لَكَ بِهِ، وَلَا مَعْرِفَةَ مِنَ الْقِيلِ وَالْبَيَانِ إِلَّا عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ بِأَنْ يَفْهَمَهُ وَيَفْقَهَهُ، ثُمَّ يَتَدَبَّرَهُ وَيَعْتَبِرَ بِهِ. فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَمُسْتَحِيلٌ أَمْرُهُ بِتَدَبُّرِهِ. وَهُوَ بِمَعْنَاهُ جَاهِلٌ، كَمَا مُحَالٌ أَنْ يُقَالَ لِبَعْضِ أَصْنَافِ الْأُمَمِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ كَلَامَ الْعَرَبِ وَلَا يَفْهَمُونَهُ. لَوْ أُنْشِدَتْ قَصِيدَةُ شِعْرٍ مِنْ أَشْعَارِ بَعْضِ الْعَرَبِ، ذَاتُ أَمْثَالٍ وَمَوَاعِظَ وَحِكَمٍ: اعْتَبِرْ بِمَا فِيهَا مِنَ الْأَمْثَالِ، وَادَّكَّرْ بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَوَاعِظِ إِلَّا بِمَعْنَى الْأَمْرِ لَهَا بِفَهْمِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَعْرِفَتِهِ، ثُمَّ الِاعْتِبَارُ بِمَا نَبَّهَهُ عَلَيْهِ مَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ، فَأَمَّا وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِمَعَانِي مَا فِيهَا مِنَ الْكَلَامِ وَالْمَنْطِقِ؛ فَمُحَالٌ أَمْرُهَا بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مَعَانِي مَا حَوَتْهُ مِنَ الْأَمْثَالِ وَالْعِبَرِ. بَلْ سَوَاءٌ أَمْرُهَا بِذَلِكَ وَأَمْرُ بَعْضِ الْبَهَائِمِ بِهِ، إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَعَانِي الْمَنْطِقِ وَالْبَيَانِ الَّذِي فِيهَا. فَكَذَلِكَ مَا فِي آيِ كِتَابِ اللَّهِ، مِنَ الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ وَالْمَوَاعِظِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: اعْتَبِرْ بِهَا، إِلَّا لِمَنْ كَانَ بِمَعَانِي بَيَانِهِ عَالِمًا، وَبِكَلَامِ الْعَرَبِ عَارِفًا، وَإِلَّا بِمَعْنَى الْأَمْرِ لِمَنْ كَانَ بِذَلِكَ مِنْهُ جَاهِلًا، أَنْ يَعْلَمَ مَعَانِي كَلَامِ الْعَرَبِ، ثُمَّ يَتَدَبَّرُهُ بَعْدُ، وَيَتَّعِظُ بِحِكَمِهِ وَصُنُوفِ عِبَرِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، قَدْ أَمَرَ عِبَادَهُ بِتَدَبُّرِهِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِأَمْثَالِهِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آيُهُ جَاهِلًا. وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَهُمُ بِذَلِكَ، إِلَّا وَهُمْ بِمَا يَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ عَالِمُونَ، صَحَّ أَنَّهُمْ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ يَحْجُبْ عَنْهُمْ عِلْمَهُ مِنْ آيِةٍ، الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ مِنْهُ دُونَ خَلْقِهِ، الَّذِي قَدْ قَدَّمْنَا صِفَتَهُ آنِفًا عَارِفُونَ. وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ، فَسَدَ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَ تَفْسِيرَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ، مَا لَمْ يَحْجُبْ عَنْ خَلْقِهِ تَأْوِيلَهُ”
التأثر بالقرآن
إحدى طرق التدبر هو التدبر الوجداني، وهو يختلف عن التدبر العقلي في أنه لا يحتاج إلى تأمل عقلي أو معرفة دلالات عميقة للآيات.
يؤثر القرآن على بعض المشركين والأعاجم عندما يسمعونه دون فهم معانيه، فيحكم عليهم بقوة وسطوة القرآن على نفوسهم.
يمكن لبعض الأشخاص الخلط بين التدبر والتأثر عند سماع القرآن، ويقولون إن القشعريرة التي تنتاب الإنسان عند سماع القرآن والخشوع الذي يشعرون به بسبب تأثير القرآن عليه هو التدبر، ولكن هذا غير صحيح، بل يعتبر ذلك التأثر بالقرآن.
التدبر هو عملية عقلية يتم تنفيذها في العقل، بينما التأثر يحدث عندما تتأثر الأعضاء والقلب بالإحساس، ويمكن أن يحدث التأثر بسبب التدبر، أو بسبب جمال القرآن الكريم وعظمته، أو بسبب حالة الشخصفي لحظة استماعه للقرآن.