مفهوم الذوق العام
الذوق العام هو أحد الصفات الأخلاقية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالأخلاق الحميدة، ويتجلى تأثيره الإيجابي على سلوك الأفراد وتعاملاتهم مع بعضهم البعض. فإنه يتجلى بوضوح في تصرفات الفرد ويعكس أخلاقياته، ومن ثم يعتبر الذوق من أجمل الأخلاق، ويحث صاحبه على امتلاك الصفات الحميدة مثل مراعاة ظروف الآخرين ومشاعرهم.
وصف الله جل وعلا الحبيب المصطفى، محمد صلى الله عليه وسلم، بأنه صاحب الذوق العام والخلق العظيم في قوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) [سورة القلم: الآية 4]. كما مدحه الله صلى الله عليه وسلم بأنه من أصحاب الخلق العظيم في قوله: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله ما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون). وبسبب أهمية الذوق العام في الدين والمجتمع، يجب على الجميع أن يتعرف على مظاهر الذوق العام وكيفية الالتزام به.
كيفية الارتقاء بالذوق العام
ضعف الذوق العام يعتبر سببا واحدا للمشكلات في العديد من المجتمعات، خاصة المجتمعات العربية. فعند رؤية أحد يتبع العديد من الظواهر، يعتبر فورا أنه يتمتع بذوق عام. وهناك مظاهر تعتبر مثالا لتحسين الذوق العام، وتعد هذه المظاهر مثل طريق مضيء يمكن أن يسلكه الفرد لاكتساب هذه الصفة العظيمة. ومن هذه المظاهر
- يتمثل التمسك بالمحمود والحسن من التقاليد والعادات في الحفاظ على الصفات والمعايير السلوكية التي تخدم الذوق العام، والتي تحتوي على العديد من القيم الإيجابية.
- يمكن للأفراد الذين يتعلمون القرآن الكريم ويتأملون معانيه وأحكامه أن يكتسبوا العديد من الآداب التي تنظم الحياة بشكل أفضل.
- يتطلب التفقه في السنة النبوية والاطلاع على مواقف وتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو المثال الأعلى والأفضل للذوق العام.
- ينبغي قراءة قصص الصحابة وسيرتهم الذين رضي الله عنهم.
- يمكن الاطلاع على كتب خيار القوم وأهل العلم التي تتناول موضوعات تتعلق بالذوق العام والأخلاق.
مجالات تطبيق الذوق العام
الذوق هو جوهر السلوك وأساسه، تشبه الحلي التي يتم ارتداؤها ليظهر الإنسان بأجمل صورة. ويتجلى ذلك في ذوق الإنسان وأسلوبه الراقي في التعامل مع الآخرين وأساليب الحديث التي يتبادلها معهم. وبالتالي، فإنه يقترب إلى حد كبير من فن الاتيكيت الذي يعتمد على تنظيم القواعد والنظم والآداب والسلوكيات بين الأفراد. ويشمل الذوق العام العديد من الجوانب والمجالات المشتركة مع فن الاتيكيت
- جمال البيئة: يتعلق المجال الحاصل بالذوق البيئي، وهو يتعلق بالبيئة المحيطة بالإنسان التي يسكنها ويتأثر بها، ومن مسؤوليته حمايتها والحفاظ عليها، بالإضافة إلى البيئة الداخلية، والتي تشمل المنزل ونظافته وترتيبه.
- جمال الشخصية والنفس: يعرف الجمال الداخلي كتحلي بالتسامح والتعاون والعفو والتواضع والحياء وغيرها من الصفات المحمودة والروح الطيبة.
- جمال الطباع: منبعه عبادة الله تعالى وامتثال أوامره، والابتعاد عن محظوراته ومظاهر السلوك الحسن، ومصاحبة أصدقاء الخير وليس أصدقاء الشر، ونشر السلام على جميع المؤمنين.
- جمال الجسد: يتضمن ذلك الحفاظ على الجمال والنظافة واختيار الملابس الجميلة، والحرص على الوقاية من الأمراض للحفاظ على سلامة النفس والآخرين، واللجوء إلى العلاج عند المرض، وممارسة الرياضة بانتظام.
مفهوم الذوق العام في الإسلام
يقترب الذوق العام مع فن الإتيكيت إلى حد كبير وبذلك هناك تقارب ما بيت الإتيكيت والخلق الذي يحث عليه الإسلام بهدف تنظيم وإدارة الحياة، حيث لا يقتصر الإسلام على أداء الشعائر الدينيّة مثل الصوم وصلاة، والتسبيح والذكر، بل يضاف إليها الذوق السليم وهنا يكمن الفق بين الذوق في الإتيكيت وبينه في الإسلام حيث يعني الإتيكيت بالسلوك الخارجي بينما الإسلام فإنه يهتم بكلاً من السلوك الداخلي والخارجي. [2]
والذوق العام يمثل جزءا أساسيا وهاما من الخلق على المسلم أن يتحلى به، فيتعامل مع الآخرين من الأشخاص المسلمين أو غير المسلمين بأسلوب جميل من خلال اختيار الكلام الطيب، حيث إنه ينتج عن تعامله القاسي مع الناس كرههم له، ولذلك، وضعت الشريعة الإسلامية بعض الوسائل التي يمكن للفرد اتباعها والتمسك بها لتحسين الذوق العام، وتتمثل هذه الوسائل فيما يلي
- عدم الغضب والتحلي بالهدوء حين الاعتذار عن الاستقبال: حث الله المسلمين على التراحم والتآلف والتقارب بينهم، خاصة في المناسبات والأعياد، وعندما يكون المسلم مريضا، يجب عليه أن يتلقى الزيارة من قبل الأشخاص القادرين على ذلك، وفي تلك المناسبات تتكاثر الزيارات بين الناس، حيث قد يحدث أن يزور أحدهم أقاربه أو أصدقائه، ولكن يتلقى اعتذارا بسبب انشغالاتهم، وفي هذه الحالة، يحثنا الإسلام على عدم الغضب أو اتخاذ موقف، حيث لكل شخص انشغالاته وظروفه التي تتحكم في وقته.
- التأدب والتراحم مع الجيران: أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم بالجار المسلم، وأمر بالإحسان إليه، ومعاملته معاملة حسنة، ومن الأمور التي أوصى بها الحبيب المصطفى أنه إذا رأى الجار مع جاره ما يحبه ويشتهيه، فمن الذوق أن يتم تقديم البعض منه إلى ذلك الجار.
- إماطة الأذى عن الطريق: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إزالة الأذى عن الطريق صدقة)، وهذا يعني أن من يرمي النفايات والقمامة وغيرها من الأذى في الطريق فهو آثم، حيث يمكن رؤية القمامة في كل مكان على الطريق، ومن أمثلة ذلك الأذى الذي يسببه التدخين والمدخنون لمن حولهم.
- الامتناع عن رفع الأصوات بالطرقات: الالتزام بآداب الطريق هو ما يعرف بذلك، ويتضمن عدم استخدام أبواق السيارات إلا في حالات الضرورة، حيث يتسبب استخدامها بشكل مفرط دون سبب في إزعاج كبير للناس.
آثار الارتقاء بالذوق العام في المجتمع
يوجد العديد من الآثار الإيجابية الجيدة التي يخلفها اتباع الناس والأفراد بالمجتمع لمظاهر الذوق العام وسلوكياته منها ما ينصب على المجتمع وما يحكمه من عادات وتقاليد، ومنها ما يتعلق بالمجتمع الإسلامي وعلاقة المسلمون فيما بينهم وفي تعاملاتهم مع غيرهم من المسلمين، ولا يمكن القول أن اتباع الذوق العام قد يترتب عليه آثار سلبية في المجتمع ولكن من بين آثاره الإيجابية التالي:
- نيل محبّة الله تعالى.
- يتمثل فوزنا بالجنة في كسب رضى الخالق سبحانه بالقول والفعل.
- تعزيز الإيمان وترسيخه في نفس المسلم.
- الشعور بالسكينة والطمأنينة.
- تمتع الإنسان بالاتزان النفسي والسلوكي.
- العيش في بيئة جميلة وجسم نظيف وطاهر.
- الفوز بمحبة واحترام الناس، والاتصاف بصاحب الذوق الرفيع في التعامل معهم.
- ترابط المجتمع وتماسكه وانتشار الألفة بين أفراده.
- تعزيز نمو وتقدم المجتمع في مختلف المجالات والميادين في الحياة.