تتغمر حياتنا بألوانها الأساسية وخطوطها التي تشكل الأعمال الفنية، سواء كانت تصورية أو مرسومة بالزيت أو نحتا. فلكل لون أو خط أو تكوين في اللوحة التصويرية أو المنحوتة دلالته الرمزية التي تعبر عن الفنان أو ما يرغب في التوصل به إلينا. فأحيانا تعبر اللوحات عن هواجس وأفكار الفنان أو حزنه، بل وفرحه أيضا.
يمكن تسمية لغة اللوحة التشكيلية بمصطلح اللغة البصرية، حيث تتألف من إشارات طبيعية يحب الفنان أن تصل إلينا من خلال الصور التي يقوم برسمها والتي تحاكي ما يراه الناظر، فمعظم اللوحات تخفي رسائل معينة وأخرى تظهر رسائل متعددة، والجميل في الأمر أنه لا يوجد قراءة خاطئة للوحة، فليس شرطا أن يفهم كل ناظر للوحة نفس الفكرة، ولكل ناظر وجهة نظر خاصة به، ويعتمد فهم اللوحة على دقة الملاحظة والاستدلال، وحتى على نفسية المشاهد، وقبل كل شيء على معرفة تفاصيل معينة عن اللوحة وراسمها، وربما على سياق رسمها حتى يتضح كل شيء في النهاية، ولكن معرفة تفاصيل كل لوحة أمر صعب التوفر.
لا يجب علينا كبشر طبيعيين تعلم كيفية قراءة لوحة فنية، ولكن في هذا المقال سوف نشرح كيفية فهم اللغة الصامتة التي تتبادلها اللوحة مع الإنسان، وذلك من السطح وحتى الأعماق، فكل طبقة تساعد في فهم ما هو أعمق منها، ويمكن قراءة أي لوحة باستخدام بعض الخطوات المحددة .
خطوات فهم اللوحات
امنح للوحة فرصة
عند النظر إلى اللوحة لأول مرة، ستشعر بجمالها الذي يكمن في قصتها المتضمنة في اللوحة، إلى جانب أسلوب الرسم المستخدم من قبل الفنان. عندما تنظر إليها، يجب أن تحقق نظرة دقيقة عليها، فقد لا يلفت العمل انتباهك في البداية، ولكن عندما تعمقت فيه، ستجذبك تماما. تكمن روعة التفاصيل في الانتباه الدقيق ولا يمكن اعتبار لوحة ما جميلة أو قبيحة فقط بناء على فهمك للجمال، بأي شكل من الأشكال .
شكل اللوحة
تختلف الرسومات والأشكال واللوحات، فقد تكون اللوحة عن شخص، أو عن أحداث تاريخية، أو عن جغرافية وتضاريس بيئية، ويتضمن بعضها مشاهد الحياة اليومية والحيوانات والحالات النفسية والعاطفية والهجرة واللقاء. كما يتضمن بعض الأعمال فنا تجريديا، حيث يظهر شكل غير محدد، ويتميز الفن التجريدي بنزف الألوان على القماش أو النحت على قطع الصخور. ويترك للمشاهد تفسير هذا النزف، مع العنوان الذي يختاره الفنان، ومن خلال ذلك يمكن فهم معنى الشكل الذي تتخذه اللوحة
ماذا تعني الرسمة
أمامنا الآن لوحة فنية، ولنفترض أننا لا نعرف عنها أي شيء؛ لا نعرف من هو الرسام ولا تاريخ العمل ولا اسم العمل ولا أي شيء، فيجب علينا القيام بالخطوات التالية:
- أولا: نحن نبحث عن أي معلومات يمكن أن تصلنا من صاحب الرسمة أو مكان وجودها، وخاصةً إذا كانت تلك اللوحة لرسام كبير أو تم بيعها في المزادات الكبرى.
- ثانيا: من الأمور المهمة جدا في فهم طبيعة العمل هو معرفة سيرة الرسام والمدرسة التي ينتمي إليها بعد البحث الجيد. على سبيل المثال، إذا ظهرت في اللوحة العديد من الأشكال الهندسية، فقد تبدو منفرة للراقي الذي يفضل الخطوط الانسيابية البسيطة. وبعد البحث، قد يتبين أن اللوحة لبابلو بيكاسو، وبذلك نعرف أنها تنتمي للمدرسة التكعيبية وتحمل فلسفة خاصة بها. تسهل هذه الطريقة قراءة اللوحة بشكل إيجابي، وقد تجد أن ما كان يثير الاستياء في البداية يعبر بشدة عنك في أعماقك.
- ثالثا: يجب علينا تفسير الرموز التي تساعدنا في إيجاد المعنى. اللوحة تشبه الإنسان؛ قد تحتاج إلى قراءة سطحية وبسيطة، وقد تحتاج إلى تحليل. الخيال الذي يمتلكه القارئ يلعب دورا هاما في فهم قيمة اللوحة وتأثيرها وتأثيرها على القارئ. على سبيل المثال، قد يرى شخص مشهد فتاة تحتضر ببساطة كمشهد لفتاة تحتضر، وهذه تعتبر قراءة سطحية للمشهد. وقد يرى شخص آخر أن مشهد فتاة تحتضر يعكس حياة الفنان ومعاناته مثل الوحدة والخلل العقلي، ويعتبر ذلك مشهدا لانهيار حياة الفنان واحتضاره الشخصي ورفضه للحياة. هنا يوجد شخصان يحللان اللوحة بطرق مختلفة تماما. بعض الناس قد يستندون إلى لغة جسد الفتاة التي تحتضر ويعتبرونها مقاومة للموت، ويفسرون ذلك على أنه رغبة الفنان في الحياة. وقد يفسر آخرون لغة جسدها على أنها تسلم للموت ويعتبرون ذلك نزعة انتحارية لدى الفنان.
التخمينات
يستخدم العديد من الفنانين اللغزًا في وضع توقيعهم على لوحاتهم بوضع علامات تشبه الحروف الأولى من أسمائهم، لجذب الانتباه والاهتمام بلوحاتهم الفنية، وكانت التوقيعات شائعة إلى حد ما في الرسومات الإيطالية، وانتشرت هذه الظاهرة في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.
معرفة مصدر اللوحة
يجب أن ندرك أهمية معرفة الحروف الموجودة في اللوحات، فليست جميعها تعبر عن توقيعات الفنانين. فمعظمها يكشف عن أمور يعرفها فقط الفنان. يمكن أن ترمز هذه الحروف إلى مصدر اللوحة. على سبيل المثال، قام أحد الفنانين برسم لوحة عن عواء الكلب ووقع عليها ووضع رموز بخط يده على اللوحة. من خلال هذه الإشارات، تعرفنا أن اللوحة تعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وكان الفنان الإيطالي فرانشيسكو سيمون هو من قام بذلك.
معرفة توقيت ومكان اللوحة
من خلال هذه النقوش الفنية يمكننا فهم اللوحات بشكل أفضل من حيث الزمان والمكان، كما تساعدنا في فهم موضوع اللوحة.
نوع الإضاءة في اللوحة
أنتج الفنان الفرنسي إدوارد لير لوحة في القرن التاسع عشر، وتم تصوير تضاريس المنطقة بشكل واضح في هذه اللوحة. ومن خلال الملاحظات التي أضافها الفنانون أثناء عملية الرسم، يمكن الكشف عن الكثير عن طريقة عملهم، مثلما فعل إدوارد .
المقارنة بالأعمال الفنية الشبيهة للوحة
يجب علينا الاطلاع على التعبيرات المباشرة التي تدل على الأفكار والتصميمات الأصلية لكل فنان، والاطلاع على الرسومات الكاملة للموضوعات ومعرفة قياسات اللوحة المرتبطة بعدة لوحات أخرى كانت قريبة من نفس اللوحة.
لوحات بلا معنى
يوجد لوحات بعضها يقف الشخص أمامها دون معرفة ما يراه، وقد تكون النقوش منفصلة عن اللوحات، ولهذا فإنها مثيرة للاهتمام حيث توفر نظرة نادرة في حياة الفنانين اليومية.
تفسيرات ألوان اللوحة
لكل لون قصة وحكاية يرويها الفنان بمنظوره، ولا يحدث ذلك بالصدفة، بل له دلالة ومعنى معين يراد إيصاله
- يعد اللون الأحمر من أعمق الألوان؛ حيث يعبر عن الثورة والموت والغضب والدفء والدم والحرارة والخطر، ويتم استخدامه في مواضيع متناقضة مثل الولادة والموت والحرب والحب.
- عندما يختار الفنان اللون البرتقالي، يهدف إلى التعبير عن لون النار والشمس، ويعبر عن الطموح والفخر والتميُّز.
- عند اختيار اللون الأصفر، يمكن أن يعبر عن المرض الصريح عن الحقد والمرض، وكذلك يعبر عن الثوابت الفكرية والصراحة والنبل والنور.
- نأتي إلى الألوان التي تحمل معانًا مثل الخصوبة والطبيعة والتناغم والسلام والغنى والأمل، ومن بين هذه الألوان الأخضر الذي يعتبر مليئًا بالراحة والاسترخاء.
- يعد اللون الأسود رمزًا للكآبة والحزن والرهبة والوقار، وهو معروف لدى الكثير.
- يدل اللون الأبيض ببساطة على النقاء والروحانية والسمو والبراءة والعفاف.
- السيطرة والتفكير العميق والصفاء والارتقاء والانفتاح يتمثلون في اللون الأزرق .
- والبني دليل قاطع عن الرغبات والتصلب، ويؤكد اللون الرمادي على الضيق والحرج.
تفسيرات خطوط اللوحة
لكل نوع خط استخدام ودلالة، فالخط اللين يدل على النعومة والرقة والمرونة، ويعكس الحالة النفسية للفنان الحساس الذي يستخدمه عندما يتناول مواضيع تتعلق بالأنوثة والحب والرومانسية.
الخط المنكسر يعبر عن الحزم والشدة والصرامة ويترابط مع الذكورة، ويعكس معاناة الفنان واغترابه عن واقعه. ويستخدم الخط المنكسر في المواضيع المتعلقة بالتمرد والثورة والصرامة الصارخة.