كتب شهاب الدين التلمساني
من هو التلمساني مؤرخ حضارة الأندلس
أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني، المعروف باسم الإمام العلامة، هو مؤرخ مسلم ولد في الجزائر سنة 986هـ الموافق لعام 1578م، بعد سقوط الأندلس بأقل من مئة عام، وتوفي في القاهرة سنة 1041 هـ الموافق لعام 1631م. ومن أشهر كتبه “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” الذي يعد أحد أبرز المراجع العربية المكتوبة حول تاريخ الأندلس، و”نفح الطيب” كانت خاتمة مؤلفاته، وانتشرت شهرته العلمية في العالم الإسلامي، وكان مشهورا بالعلم في مختلف المجالات.
أصل أسرته من قرية مقرة التي تقع في منطقة المسيلة بالجزائر، ونشأ في مدينة تلمسان وطلب العلم فيها، وكان عمه الشيخ سعيد المقري من أهم شيوخها.
رحلة التلمساني في طلب العلم
قضى التلمساني فترة طويلة في حفظ القرآن الكريم ودراسة الشريعة الإسلامية، ثم انتقل إلى مدينة فاس في عهد السلطان السعدي أحمد المنصور وعمره 24 سنة، ومن ثم ذهب إلى مراكش بطلب من الشيخ إبراهيم بن محمد الآيسي أحد قادة السلطان أحمد المنصور الذهبي، وهناك التقى بالعديد من علماء مراكش مثل ابن القاضي، وكتب كتاب “روضة الآس” الذي كان يخطط لتقديمه للسلطان المنصور ولكنه توفي في عام 1012 هـ، وبعد ذلك قرر التحول نهائيا من تلمسان إلى فاس في عام 1013 وعاش هناك لمدة حوالي 15 عاما .
بعد عودته إلى فاس، عينه السلطان زيدان الناصر بن أحمد مفتيا وإماما لمسجد القرويين في عام 1618م، وانشغل بالمسئوليات الدينية والإفتاء والخطابة وغيرها، وحتى الآن لم يعرف السبب الحقيقي لمغادرته مدينة فاس التي تعتبر الأقرب إلى قلبه، وليس هناك مصادر واضحة تذكر الأسباب، حيث كان المغرب في ذلك الوقت يتعرض للصراعات الداخلية بعد وفاة السلطان المنصور وتصارع أبنائه على الحكم، وكان يعاني أيضا من غزوات الأسبان والبرتغاليين، كما قال المقري نفسه `ثم انطلقت بنية الحجاز، وأصبحت الحقيقة المجازة`، وطلب عبد الله بن شيخ نفسه إذن السفر في عام 1027، فتمت الموافقة على ذلك.
لا يمكن تفسير عدم عودة المقري إلى المغرب مرة أخرى، على الرغم من حبه الشديد لفاس و شدة حنينه إلى وطنه وقسوة ما لقيه في رحلاته ، خاصة المضايقات التي تعرض لها أثناء وجوده في مصر رغم مكوثه في القاهرة و زواجه من سيدة تنتمي لعائلة مرموقة أنجب منها طفلة وحيدة وبقي يدّرس في الأزهر.
بعد ذلك، سافر لأداء فريضة الحج، ثم قام بزيارة عدة مدن مثل القاهرة ودمشق والقدس. ثم اتجه إلى مكة المكرمة وكرس وقته لتدريس علوم الفقه والحديث، وشرح تاريخ الأندلس العظيم للناس. ومن ثم، عاد إلى دمشق واستمر في التدريس لطلاب العلم.
خلال رحلاته، زار مكة خمس مرات والمدينة سبع مرات. وتفصل في هذه الجوانب في كتابه الشهير `نفح الطيب`. قال فيه: `حدث لي أثناء المبيت في مكة المسراة، واستفدت منها دروسا عديدة. وبفضل الله، أعيد إلى هذه الأماكن العزيزة مرارا وتكرارا، وزرت المدينة النبوية سبع مرات. وقمت بأداء العديد من العبادات والزيارات الدينية، وتوجهت إلى طيبة المعظمة بمنهجها السديد سبع مرات. وعندما زرتها، أحسست بالسعادة والبهجة، وشعرت بالشرف بقربي منها. وأتيت بالعديد من الأحاديث النبوية التي وهبها لي الله تعالى. ثم انتقلت إلى مصر وتكلفت بتنظيم جميع الأمور الموكلة إلي، واستمرت خدمتي للعلم الشريف في الأزهر المعمور. وكانت آخر رحلة حج لي في صفر سنة 1037 هـ.
وخلال وجوده في دمشق، طلب منه بعض طلبة العلم أن يقوم بتأليف كتاب عن ابن الخطيب، فبدأ المقري التلمساني في كتابة مؤلف تحت عنوان `عرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب`، وعندما أدرك أن موضوع كتابه توسع ليشمل جغرافيا وتاريخ وثقافة وحضارة الأندلس، قام بتغيير العنوان إلى `نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب`، وتنقسم الكتاب إلى قسمين، حيث يخصص القسم الأول للأندلس والقسم الثاني لابن الخطيب.
كتب شهاب الدين التلمساني
روضة الآس العاطرة الأنفاس
روضة الآس العاطرة الأنفاس هو كتاب يعتبر أول كتاب ألفه المقري في حياته الفكرية والأدبية، ويتحدث عن أعلام الحضرتين مراكش وفاس الذين قابلهما. أثارت شخصية الملك المنصور الذهبي اهتمام المقري، وشاهد عظمة سوق العلوم والأدب في فاس ومراكش، وحفزه ذلك لكتابة هذا الكتاب خلال فترة إقامته في تلمسان، حيث كان يستعد للعودة إلى المغرب والانضمام إلى بلاط الملك المنصور. يتكون الكتاب من قسمين: الأول يتحدث عن حياة الملك المنصور ودولته ومآثره ومؤسساته، والثاني يتحدث عن العلماء والشعراء الذين التقى بهم وعددهم 34. كان الهدف من الكتاب تقديمه كهدية للسلطان المنصور الذهبي كتعبير عن شكره لحسن الاستقبال الذي لقاه في المغرب، ولكن توفي الملك قبل أن يتم تقديم الهدية له.
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
يعد كتاب الذي ألفه المقري في مصر والذي ختم به حياته، بطلب من أحد علماء دمشق أحمد بن شاهين الصقلي، من أشهر مؤلفاته واشتهر به. يعد هذا الكتاب موسوعة تاريخية مهمة في دراسة تاريخ الأندلس والأدب والجغرافيا الخاصة بها، ويتألف الكتاب من قسمين؛ قسم يتحدث عن الأندلس ومدنها وسكانها ومناخها، ويوضح مساحتها ويحدد أراضيها ويصف أول من سكنها، ويصف بدقة سلوكيات سكان الأندلس وحبهم للأدب والعلوم والقسم الثاني يتحدث عن أخبار الوزير ابن الخطي.
يقول المقري التلمساني في كتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: “محاسن الأندلس لا تستوفى بعبارة، ومجاري فضلها لا يشق غباره، وأنّى تجارى وهي الحائزة قصب السّبق، في أقطار الغرب والشرق”، و يقول: “الأندلس شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هنديةٌ في عطرها وذكائها، أهوازيةٌ في عظم جبايتها، صينيةٌ في جواهر معادنها، عدنيةٌ في منافع سواحلها”.
الرحلة إلى المغرب والمشرق
يُعد الكتاب من الأعمال المفقودة للعالم شهاب الدين التلمساني، ولولا مجموعة من المخطوطات التي تم العثور عليها، بما في ذلك رحلته التي قدمتها حفيدة المستشرق الفرنسي جورج ديلفان عام 1993 إلى المكتبة الوطنية في الجزائر، لكان الكتاب ضائعًا.
أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض
هذا الكتاب التاريخي الأدبي مؤلف من أربعة أجزاء، تم كتابته أثناء إقامته بفاس في الفترة من 1013 إلى 1027. يعتبر هذا الكتاب موسوعة ضخمة تتألف من خمسة مجلدات، حيث يستعرض المؤلف فيه حياة القاضي عياض من صباه وشبابه وكهولته. اتبع المؤلف في كتابه الأسلوب التقليدي في تقديم المعلومات المتنوعة والشاملة، على الرغم من أن هدف الكتاب الأساسي كان تقديم شخصية القاضي عياض، إلا أنه تطرق أيضا إلى العديد من القضايا المتعلقة ببلاد الأندلس وأحوال المسلمين فيها. يوثق المؤلف في كتابه العديد من مشاهداته وتجاربه أثناء رحلاته في تلك البلاد.
فتح التعال في وصف النعال
يتضمن الكتاب الذي يحمل نفس العنوان بالإضافة إلى “النفحات العنبرية في وصف نعال خير البرية” وصفا لنعال النبي صلى الله عليه وسلم وفضائلها، وتحتوي على قياسات لحجم النعل الشريف. وقد كتب بترتيب أبجدي من خلال الشعر، ويقال إن الهدف من كتابته كان للحصول على موقف في المدينة المنورة في عام 1624م.
إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة
منظومة في العقيدة الأشعرية بدأ بتأليفها أثناء زيارته للحجاز سنة 1629 نزولا عند رغبة بعض العلماء في مؤلف حول العقيدة الإسلامية، ودرسها في الحرمين الشريفين، وأتمها في القاهرة سنة1630. تكلّم فيها عن المقدسات الإسلامية، المسجد الأقصى، هيكل النبي سليمان عليه السلام بالقدس، وعن مكة المكرمة، والمدينة.
ترك المؤرخ المقري عددًا من المؤلفات الأخرى، منها: مخطوطة حسن الثناء في العفو عمن جنى، وكتاب عرف النشق في أخبار دمشق، وأرجوزة زهر الكمامة في العمامة، والقواعد السرية في حل مشكلات الشجرة النعمانية، وحاشية على شرح ام البراهين، وتاريخ الأندلس، وحاشية أخرى على شرح أم البراهين وغيرها.