قصص من كتاب البخلاء

ربما لا يكون هناك أدب آخر يرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ شعبه كما هو الحال في الأدب العربي. تعكس روحانية الحياة البدوية وظهور الإسلام والفتوحات العربية والترف الإمبراطوري لأوائل العباسيين والتفاعل والتأثير مع الحضارات الأخرى وتراجع الخلافة وسقوطها بقوة في كل جوانب الأدب العربي. وكان الحاجظ أحد أشهر الكتاب القدماء في الأدب العربي ومؤلف كتاب البخلاء. سنحكي لكم في هذا المقال قصصا من كتاب البخلاء، أيها القراء الأعزاء.

عن مؤلف كتاب البخلاء

أبو عثمان الجاحظ، الذي يعرف أيضا بابن بحر بن محبوب الكناني البصري، ولد في مدينة البصرة عام 160 هجريا ونشأ فيها. يقال إنه كان من أبناء عبيد شرق أفريقيا الذين كانوا يعيشون في جنوب العراق خلال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين. درس في مدينته الأصلية ثم انتقل إلى بغداد بحثا عن العلم. شغل مناصب وظيفية في سن مبكرة وعين كمسئول ديني أو ناسخ للدولة. لفت انتباه القادة البارزين في عصره بأسلوبه الفريد، وكلفه الخليفة العباسي المأمون بكتابة عدة نصوص تبرر استيلاء العباسيين على السلطة من الأسرة الأموية.

ذكرت بعض المصادر أن الخليفة كان يفكر في تعيينه كمدرس لأبنائه، ولكنه عاد عن قراره بسبب تخوفه من المظهر القبيح الذي وصفه المعاصرون بشدة. كما كان لديه مزاج عكر. وعلى الرغم من ذلك، كان يحاط بمعارف عصره بأكملها وجمع بين دقة العلم وروح الأديب ومنطق العقل. وقد ترك عدة مؤلفات في مجال العلوم والأدب، بما في ذلك كتاب “الحيوان” و”البيان والتبيي .

باعتباره أول كاتب نثر عربي مهم، استخدم الجاحظ أسلوبه الفكري الواسع وتقنية أسلوبه المبتكر لتحرير اللغة العربية من قيودها اللاهوتية والفلسفية، مما يجعلها أداة للتماسك الثقافي طويل المدى بين ثقافات الإسلام المتنوعة. أصيب بالفالج وتوفي في بغداد سنة 255 هجريا ودفن في مقبرة الخيزران.

عن كتاب البخلاء

قدم الحاجظ في كتاب البخلاء، صور البخل، وحلل شخصية البخلاء من خلال سرد واقعي لسلوكهم وطبيعتهم  في أسلوب أدبي لم يسبق  له مثيل. حيث كانت الأعمال الأدبية عن البخل والبخلاء قبله تتميز بكونها إخبارية أكثر منها فنية ، لكن الجاحظ قدم في كتابه البخلاء مظهرا من مظاهر النزعة الأدبية الجياشة في حس من الفكاهة والتحليل النفسي.

سيتألف الكتاب من قصص وحكايات البخلاء، والتي سترويها الكاتب بأسلوب يشتهر به مشاهير البخلاء في عصره، مثل سهل بن هارون والحارثي والكندي وابن أبي المؤمل والأصمعي. ستقدم هذه القصص في سياق جدي معبر ومختلط بالسخرية والاستهزاء المباشر. ستتميز أسلوب الكاتب بالدقة الشديدة، حتى يتمكن من التقمص العميق للشخصيات.

وتبرز الأهمية العلمية لكتاب البخلاء في كشف طبائع البخلاء وسلوكهم وتحليل شخصياتهم، بالإضافة إلى احتوائه على مجموعة واسعة من الشخصيات المشهورة، وذكر العديد من البلدان والأماكن وصفات سكانها. ويعتبر الكتاب موسوعة علمية أدبية تحمل كما كبيرا من المعلومات في التاريخ والجغرافيا.

قصص من كتاب البخلاء

البخيل بالبخور

قال بخيل: يفضل استخدام فصل الشتاء للتبخير بالبخور وترك النبيذ المفتوح والأطعمة لعدة أيام دون أن تتلف، وكان العرب يتبخرون البخور في منازلهم فقط، وفي حالة ارتداء الملابس الصيفية الخفيفة يجب وضع البخور على الثياب لتفادي تبديد الرائحة.

ليلى الناطعية ولبس المرقع

تابعت ليلى الناطعية رفع قميصها والبسه، حتى أصبح القميص رقعًا، وذهب القميص الأول. ونظّمت ملابسها وارتدتها، وباتت ترتدي فقط الرفو، وذهبت جميع الملابس. وسمعت قول الشاعر: البس قميصك ما اهتديت لجيبه فإذا أضلك جيبه فاستبدل.

يسمعون بالشبع ويتهمون بأكل الهاضمات

قال الجاحظ : حثني أبو الأصبغ بن ربعي، وقال: دخلت عليه بعد أن ضرب غلمانه بقسوة، فقلت له: ما هذا الضرب المبرح، وهذا السلوك السيئ؟ فأجاب: هؤلاء غلمان، لهم حقوق وكرامة وتربية، وإنما هم أولاد الناس ولهم حقوق واحتياجات مثلما كانوا يحتاجون إليها والديهم.

ـ قال: لا تعلم أنهم تناولوا جميع أدويتي الهضمية (جوارشين) التي كانت لدي.

ـ قال أبو الأصبع: ذهبت إلى رئيس غلمانه وقلت له: `ويلك! ما الذي يضايقك وماذا تريد؟` فأجاب: `والله لا يا سيدتي، لا يمكنني التحدث إليك من شدة الجوع وأنا جالس، فأنا لا أحتاج الجوارشن ولا يمكن لي أن أشبع منه، إنما نسمع عن الشبع من أفواه الناس، فماذا نفعل بالجوارشن؟`

طفل مرو البخيل

عندما سمع أحمد بن رشيد حديث ديكة مرو البخيلة من ثمامة، قال: كنت عند شيخ من أهل مرو، وكان لديه صبي صغير يلعب بين يديه، فقلت له: إما أن تكون عابثا وإما أن تكون ممتحنا، أطعمني من خبزكم، فقال: لا تريده هو مر، فقلت: فاسقني من مائكم، فقال: لا تريده هو مالح، قلت: هات لي من كذا وكذا، فقال: لا تريده هو كذا وكذا. واستمريت في طلب أصناف كثيرة، وكل ذلك يمنعنيه ويكرهه إلي، فضحك أبوه وقال: ما هذا الدين الذي يعلمك مثل هذا؟ يعني أن البخل طبع فيهم وفي أجدادهم وهو جزء من طبيعتهم.