قصة مسرحية ” البلا أوراق ”
مينودراما البلا أوراق هي مسرحية للكاتب المسرحي عباس الحايك، عرضت في 12/ 9/ 2018 على مسرح النادي الأدبي بالرياض في حي الملز، تم توجيه الدعوة فيه للجميع بشكل مجاني تمثيل عبدالعزيز العبدان وإخراج حسين أحمد الفيفي، تدور القصة حول البطل أمين الذي يعني من فقد حبيبته سلمى بعد أن حاول الهروب معها للزواج.
البلا أوراق
يدخل أمين إلى مكان مهجور، يغشاه الظلام ويغطيه الغبار في كل زاوية، يقف أمين في مكانه وهو في حالة شديدة من الخوف والتعب، يلفت نظره في أرجاء هذا المكان المهجر، فإذا به يجد كومة من الأشياء القديمة، يبحث داخلها ويجد وسادة مغطاة بغبار السنين التي مرت بها في هذا المكان، يحاول تنظيفها من الغبار المتراكم عليها، فيندفع منها سحب من الأتربة تجعله يندفع للسعال بشكل متواصل، ويرمي الوسادة على الأرض ويجلس فوقها ليستريح من المطاردة التي مر بها للتو.
لو لم يحاول الهروب، لكان ميتا الآن، إما بسبب الرصاص المتتابع أو أنياب الكلاب الشرسة، وفجأة وقف أمين وتوجه نحو نافذة الغرفة، التي تظهر عليها آثار الزمن وتعاني من تلف في إحدى أجزائها، قام أمين بإغلاق النافذة وبينما كان يغلقها كان يهدأ تدريجيا، وكان يتكرر في نفسه أن كل شيء سيكون على ما يرام ولن يجدني أحد في هذا المكان النائي.
أمين يهرب من فزعه بالقراءة
فجأة شعر بشدة التعب والإرهاق بسبب ما مر به اليوم، فعاد ووضع جسده المنهك على تلك الوسادة العتيقة. وبالرغم من شدة التعب الذي شعر به، ورغم رغبته الحقيقية في النوم، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، فقام من سريره وجلس في مكانه ويحدق بالوسادة، ويتحدث إليها قائلا: “لولا ما أنا فيه الآن لكنت نائما فوق وسادتي التي يحرص أبي على ترتيبها لي في كل ليلة بيديه الحانيتين، والتي تمنح الوسادة دفئا ونعومة. وفي ذلك اللحظة تذكر أمين أسى وشوقه لأبيه، وأنه لن يستطيع النوم في تلك الليلة العصيبة، تماما كأبيه الذي لم يفترق عنه منذ وفاة أمه، وقد كان يغمره بعطفه وحنانه كطفل صغير، على الرغم من أنه بلغ الخامسة والعشرين من عمره.
لم يخطر ببالي يوم أن أتركك، أو أبتعد عن مدينتي، ولكن أحيانا يقدم المرء على أشياء دون رغبته في فعلها، سامحني يا أبي لعدم استماعي لنصيحتك، فأنا اليوم أدفع ثمن ذلك، لقد قلت بأن الولوج بهذا الطريق أمر مرعب ولا رجعة منه، ولكنني اكتشفت أن الأمر مريع، وهو أشد رعب مما ذكرت لي، ولكن لا فائدة الآن من الندم.
يجب على أمين الصمت أن يلتزم الصمت لبضعة لحظات، ثم يعود لينبه نفسه ويتساءل كيف يستطيع أن ينام في تلك الليلة. يتبع سؤاله لنفسه بتنهيدة، ثم ينهض ويحضر حقيبته ويعود للجلوس مرة أخرى. يستخرج قارورة ماء من الحقيبة ويأخذ قليلا منها، ثم يغسل وجهه المتعب بالقليل من الماء. يعود بعدها ليضع القارورة في الحقيبة، ثم يستخرج كتابا ليقرأه. القراءة هي الحلا ليمر بهذا الوقت الصعب. يستخرج أيضا مسجل صغير ويشغله لينبش فيه موسيقى هادئة، وكأنه يحاول أن يشعر بأنه بخير، وأن ما يمر به مجرد كابوس سيمر بسرعة.
وضع رأسه على الوسادة وفتح كتابه على الصفحة التي توقف عندها. ثم قال لنفسه إن طقوس القراءة الخاصة بي أكتملت الآن. لكن لا يتبقى من تلك الطقوس سوى كوب الشاي. ولكنه عاد وقال لنفسه: ليس مهم. قبل أن يبدأ في القراءة، قال لنفسه للمرة الأولى: أشعر أن تفاصيل الحكاية تتحدث عني وعن أحداثي بالتفصيل. ثم قام ونظر إلى الكتاب الذي بين يديه وقال: لا أرغب في استكمال قراءة الأحداث ولا أود معرفة كيف ستنتهي. لقد توقفت الرواية عند رحلة الهروب وأخاف من النهاية. قررت تركها للقدر دون الاعتماد على خيال الكاتب. في بعض الأحيان، يلجأ الإنسان للهروب من الواقع ليشعر ببعض الأمان.
ملامح سلمى خارج النافذة القديمة
ثم أدخل الكتاب داخل الحقيقة مرة أخرى وحاول البحث عن كتاب أخر ليمرر به هذا الوقت الذي يمر بصعوبة شديدة، ولكن لم يعثر أمين على شيء، فلم يكن بحقيبته سوى هذا الكتاب، وكأنه لم يحمل بحقيبته سوى رواية تحكي تفاصيل واقعه المرير، وعاد ليغلق حقيبته من جديد، وجلس مستسلم ثم نظر نحو النافذة قليلا، وبعدها قام وتقدم نحوها.
ظل أمين ينظر من النافذة وهو يتخيل وجه حبيبته سلمي، وتذكر نافذة غرفته التي تحمل ذكريات شروده بملامحها في كل ليلة، وفجأة يشعر أمين بالبرد الشديد، فتعجب من ذلك، فمازال الشتاء لم يأتي، فلابد أن الخوف والوحدة والانتظار قد جعلوه يشعر بفقدان ذاته وأمانه حتى أحس بأن الصقيع قد سكن روحه العارية.
ابتعد أمين عن النافذة وانطلق نحو الكومة من جديد ليبحث بداخلها عن شيء يستخدمه في تدفئة نفسه، حتى وجد بداخلها، بطانية عتيقة قد نال الزمان منها فمزقها، فقام بنفض الغبار المتراكم عنها، ولكنه عاد ليدخل في نوبة شديدة من الكحة من أثر هذا الغبار الكثيف المتطاير منها، ثم قام بالالتفاف بتلك البطانية، وعاد ليجلس مكانه، ثم أخرج زجاجة المياه وقام بغسل وجهه من أثر الغبار المتطاير، ثم تناول منها القليل.
عاد بعد ذلك ليتذكر حبيبته من جديد، ويسترجع ذكريات تلك الليلة التي صرحت له فيها بحبها، فيتذكر كل حرف خرج من بين شفتيها، والذي كان يعبر عن حبها له. ثم رفع رأسه عاليا وقال بصوت مرتفع، كأنه يريد إعلان الخبر للعالم الذي قفز بينه وبين حبيبته: “سلمى تحبني”، نعم، قالتها بوضوح. وصف شعوره الذي شعر به حين سمع تلك الكلمة التي أعادت الروح لجسده. ثم عاد ليأخذ كتابه من حقيبته، وفتحه، وقرأ إحدى الصفحات، فيما كان يتجول في هذا المكان الموحش. ثم عاد ليتذكر والدها، الذي دمر هذه القصة الرائعة قبل أن تبدأ، وكأنها رصاصة خرجت من سلاح الزمن لتقتل هذا الحب العذري. ثم نظر إلى الكتاب باندهاش وقال: “عجيب، مجرد أوراق تتحكم في هوية البشر ومستقبلهم، وحتى في أحلامهم. فنحن جميعا بشر، لا يفرقنا شيء، ومتشابهون بشدة، ولكن الخاتمة التي توضع على ورقة واحدة، تصنع هذا الفرق. فلولا هذا الخاتم الذي يحدد جنسيتك وهويتك، يا مؤلف، لما تم نشر رؤيتك ولما عرفت من الآخرين.
رواية جديدة وأحداث مؤلمة
بعد حديث طويل مع الرواية، يعود ويصمت، ثم يمزق أحد أوراق الرواية ويطرحها في الهواء، ثم يقول بسخرية “مجرد ورقة تطيرها الرياح بعيدا ليس لها قيمة”، ثم يمزق الكتاب صفحة تلو الأخرى حتى يستيقظ من شروده ويكتشف أنه مزق كل الصفحات، ويتوبخ نفسه قائلا “ماذا فعلت، كيف سأعرف النهاية”، ثم يحاول جمع الصفحات مرة أخرى، لكنه يسكب الماء عليها ويقول بسخرية “لم يعد هناك ختم، ولم يعد هناك رواية، ولم يعد هناك نهاية لتلك القصة.
ثم عاد إلى الوقوف على قدميه، وتوجه نحو النافذة وقال إنني الشخص الذي يكتب نهاية هذا، ولن أسمح بأن يكون لي نهاية محددة بواسطة المؤلف، خاصة وأن بطل الرواية مختلف تماما عني، حيث البطل الذي ليس لديه أوراق مفقودة ولم تفقده أمه، وليس لديه أب مثل أبي، الذي لا يمكن لأي رواية وصف حنانه الشديد الذي حملني كطفل يتيم الأم، وأنا لست فقيرا مثل بطل لا يحمل وثائق، وثم جلس على ركبتيه وأخرج صورة والده من حقيبته، وقبلها ووضعها فوق إحدى جدران المكان، وفي ذلك الوقت شعرت بالأمان وكأن والدي يكون معي، ثم بدأ يتحدث مع الصورة قائلا: أتذكر يا أبي الوقت الذي أخبرتك فيه بحبي لسلمى، وأتذكر ابتسامتك الحنونة ولمستك الرقيقة التي وضعتها على خده قائلا لقد أصبحت رجلا يا أمين، على الرغم من خوفك الشديد من نتيجة هذا الحب، لكنك لم ترغب في كسر قلبي، ولم ترغب في تذكيري بأننا لا نحمل وثائق تحدد جنسيتنا غير المعروفة، ولم ترغب في إخباري بأن والد سلمى التاجر المعروف لن يوافق على هذا التحالف.
كيف يمكن له أن يتزوجها وهو شاب لا يملك وثائقا؟ ثم تتذكر حب وعطف والدها الذي كان يبديه لها، والهدايا التي كان يسخرها لها. تتذكر عندما كانت صغيرة وكانت تلعب مع سلمى أمام والدها الذي كان يسألها بابتسامة: `هل تحبين سلمى، يا أمين؟` وكان أمين، الذي كان يحمل حبه لسلمى منذ الصغر، يجيب ببراءة: `نعم، أحبها`. وكان والدها يقول: `ربما تتزوجها عندما تكبرين`. ثم استفاق من تفكيره وسأل نفسه بحماس: `ما الذي تغير إذا؟ هل يمكن أن يرفض زواجي من ابنته بسبب مجرد وثائق؟ أنا ولدت هنا ولم أعرف سوى هذا الوطن، ولم أعيش إلا في هذه المدينة. الوطن ليس مجرد وثائق تم ختمها، بل هو أرض يحتضنها وحياة يعيش تفاصيلها`. ثم نظر إلى صورة والده وقال له: `هذا ما تعلمته منك، يا أبي. هذا هو وطني، وليس لي وطن آخر`.
ثم تتجه نحو النافذة وتتخيل صورة والد سلمى، وتتذكر كلماته لوالده التي لا تزال ترددها حتى الآن، ابعد ابنك عن ابنتي وإلا ستدفع الثمن غاليا. وقد نسى أنه ابن صديق عمره، إلى هذا الحد تكون الأوراق مهمة. هل إذا كنت صاحب أوراق، ستثبت جنسيتي وسأتمكن من الزواج بحبيبة عمري وطفولتي.
رقصة مترنحة مع شال حبيبته
ثم توجه نحو حقيبته في استسلام وأخرج منه شال قد أعطته له سلمى كي يتذكرها دوما، وكيف له أن ينساها، وما يمر به الآن بسبب حبه لها، وقام بتقريب الشال من وجهه وجعل يشم رائحة حبيبته به، وكأنه يعيد باستنشاقه نفسه المتناثرة، ثم راح للشرود من جديد، وتخيل أن موسيقى ناعمة قد بدأت، وفجأة قام بمراقصة شال حبيبته، وجعل يتذكر البيت الخشبي الذي بناء مع حبيبته فوق الشجرة، والأحلام التي كانوا يحلمون بها داخل هذا البيت الصغير، وكيف كانوا يحلمون بقضاء حياتهم القادمة داخله.
ثم توقف عن الرقص فجأة وألقى بالشال فوق الحقيبة، وذهب نحو النافذة مرة أخرى، ثم أغمض عيناه قائلا، أحبك يا سلمى، ولكني لا أرضى أن تكملي حياتك مع رجل بلا هوية، وبلا أوراق، وأن تنجبي منه أطفال، يحملون نفس الذنب الذي أعيش فيه الآن، وهو أن يصبحوا هم أيضا بلا أوراق، ثم يتجه نحو صورة والده المعلقة على الجدار، ويعتذر له، قائلا، لم أكن أرغب في الهروب بصحبة سلمى
ومع ذلك، لم يتبق لنا خيار سواه، أتذكر يدي حبيبتي سلمى التي كانت ترتجف في قبضتي، ونحن نهرب عبر طرقات الغابة، من رجال والدها ورصاصهم، وكلابهم المسعورة التي كانت تتبعنا. أتذكر عندما كانت تمسك بيدي بقوة كلما اقترب رجال والدها منا، وكأنها تحتمي بي. كيف يمكنني أن أحميها وأنا حتى لم أتمكن من حماية نفسي؟ أتذكر كيف قدمت سلمى نفسها للدفاع عني من هؤلاء الرجال عندما اقتربوا بشدة منا. توقفت فجأة واقتربت منهم ليمسكوها، وهذا ما سمح لي بالهروب. بعد ذلك، لم يبق لدي أي ذكرى، لم أتذكر سوى أنني وصلت إلى هذا المكان، ولكن لا أعرف كيف. عندما تركت يدي سلمى، اختفى كل شيء من ذاكرتي، اختفى العالم بأكمله بالنسبة لي، فهي هي العالم بالنسبة لي.
نهاية رجل بلا أوراق
فجأة عاد أمين ليسمع صوت الكلاب مرة أخرى، وسمع معها صوت طلقات الرصاص، وكان يتصور في البداية أنه يحلم، ولكن الصوت كان يقترب تدريجيا، وأحس بالخوف، وبدأ يفكر فيما يجب فعله، ثم جلس على ركبتيه وبدأ يبحث بين صفحات الكتاب الممزقة عن نهاية الحكاية، وكلما أمسك بورقة، عرف أنها ليست الصفحة المطلوبة، وفي النهاية وجد صفحة النهاية، والأصوات تقترب أكثر فأكثر وهو يقرأ سطور النهاية، وجهه يعكس الصدمة والفزع، وفي هذه اللحظة يصبح الصوت قريبا جدا وتطيح الطلقات في الهواء، ثم يأتي النهاية.