قصة سورة المجادلة
وصف الله سبحانه وتعالى التوسل الذي ذكر في هذه السورة الكريمة بكلمة `المجادلة`. ونجد أن السورة اشتهرت بهذا العنوان عندما تقرأ بوصفها مجادلة، وتعني المرافعة والجدل. ويمكن أن تقرأ أيضا على أنها المرأة التي ترافعت وجادلت وتوسلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وطلبت منه مساعدتها ومساعدة أطفالها في الوضع الصعب الذي كانوا يعيشونه لإنقاذهم من الخراب. سبب نزول سورة المجادلة يعود إلى قصة هذه المرأة، وحدثت هذه المرافعة والجدل بعد معركة الخندق في شهر شوال للسنة الخامسة الهجرية.
قصة سورة المجادلة
تروي سورة المجادلة قصة المرأة المشتكية إلى الله من زوجها والتي تتوسل إليه سبحانه وتعالى، وكذلك إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. وفي سورة المجادلة، تدافع خولة بنت ثعلبة وهي امرأة فصيحة وحسنة الكلام، عن نفسها. وتتعلق قصتها بتعليم جميع النساء المسلمات كيفية التعامل مع مشاكلهن مع أزواجهن .
قررت خولة بنت ثعلبة أن تعرض قضيتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم وحكت له أن زوجها أوس بن الصامت قال لها عند غضبه `أنت علي كظهر أمي`، والمعنى هو أنها محرمة عليه ولا يجوز له لمسها أو الاقتراب منها كزوجة له، وبالتالي يكون له الحرية في الزواج مرة أخرى وإعفاءه من واجباته تجاه زوجته، في حين لا يمكن للزوجة أن تتزوج مرة أخرى. وقد حدثت خلافات بينهما ولكن خولة زوجته رفضت أن يجامعها وأشارت إلى أن كلامه يعني انفصالهما .
وطلبت خولة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يحكم لصالحها، وأن تلك العادة العربية المعروفة بالظهار ليست عادلة للمرأة؛ فهي عادة اجتماعية سيئة ظهرت في عصور ما قبل الإسلام حيث كان يسمي الزوج زوجته الأم، وبالتالي ينفصل عنها ولا يطلقها لمجرد ظلمها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصدر منه حكما في البداية بسبب عدم وجود أي تعليمات حول هذا الموضوع في القرآن الكريم، حتى جاءه وحي من الله سبحانه وتعالى، وأنزلت الآيات الست الأولى من هذه السورة؛ فالله عز وجل قد استجاب لصلاتها وشكواها من زوجه .
موضوعات سورة المجادلة
تحتوي سورة المجادلة على عدة موضوعات وتعليمات للمسلمين حول مشاكلهم المختلفة التي يواجهونها في ذلك الوقت. من الآية الأولى حتى الآية السادسة من سورة المجادلة، توجد أوامر دينية تتعلق بالظهور. حذر الله المسلمين بشدة من الالتزام بهذه الأمور، لأنها تتعارض مع إيمانهم وتقواهم. يجب أن يلتزموا بأوامر الله ولا يتجاوزوا حدوده. الآيات الأخرى في سورة المجادلة تتعامل مع تكليف المنافقين بالاستماع إليهم والتشاور معهم سرا في المؤامرات التي يخططون لها والفتن التي يثيرونها ضد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. هم تلقوا درسا أخلاقيا بأن المؤمنين الصادقين عندما يتحدثون سرا، لا يتحدثون عن خطيئة ومعصية الرسول. وإذا أرادوا التحدث سرا معا، يجب عليهم أن يتحدثوا عن الخير والتقوى .
ومن ضمن موضوعات سورة المجادلة أيضاً أن المسلمون قد تعلموا العديد من أساليب السلوك الاجتماعي ، والتخلص من العادات الاجتماعية السيئة التي كانت سائدة بين الناس في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا ؛ فقد كان يحدث في اجتماعات النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأساليب السيئة مثل عدم إفساح المجال للآخرين ، مما يؤدي إلى بقاء الأشخاص الجدد واقفين ، أو الجلوس عند الباب أو العودة ، وذلك يحدث حتى الآن، وقد أمر الله عز وجل أن لا يتصرف الأشخاص بأنانية ولا يضيقوا الأفق في مجالسهم واستيعاب الوافدين عليهم بقلب مفتوح.
أشار الله عز وجل في الآيات الكريمة إلى أهمية الإخلاص في الإسلام ووجود نوعين من المسلمين. النوع الأول هم الذين يعتبرون أعداء الإسلام أصدقاء لهم، حيث قد يخونون دينهم وينشرون الشبهات بكل أنواعها ويمنعون الناس من اتباع سبيل الله سبحانه وتعالى. أما النوع الثاني، فهم المسلمون الحقيقيون الذين لا يشعرون بأي حب تجاه أعداء الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام. إذ ينتمي النوع الأول إلى حزب الشيطان، بينما النوع الثاني هم المسلمون الحقيقيون وحدهم .
الدروس المستفادة من سورة المجادلة
- إن الله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء في الأرض والسماء، ويعرف ما يتم مناقشته من قبل مجموعات الناس .
- إن المؤمن الصادق لا يتحدث بسرية إلا فيما يتعلق بالخير والتقوى .
- الاعتماد على الله وحده عز وجل، وعدم الاعتقاد بأن المؤامرات يمكن أن تضرهم دون إذن .
- يجب على المؤمنين تسهيل الطريق أمام تجمع الناس .
- من يخالف أمر الله عز وجل لا ينتمي إلى رفقاء المؤمنين .
- لا يوجد حب بين المؤمنين وأعداء الله عز وجل .
- تأتي المؤامرات من الشيطان ليحزن الناس .
مقاصد سورة المجادلة
في الأساس تتحدث السورة الكريمة عن سيدة تقع في خلاف مع زوجها ، وتشتكي الله من أفعال زوجها وتذهب إلى الرسول الكريم ، وتقص له ما حدث ؛ والذي كان معروف في ذلك الوقت بالظهار ، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن الطلاق قد وقع مع أنه لم يعلن مطلقاً أنه طلق زوجته ، وإذا أراد العودة إلى زوجته مرة أخرى بعد ما قاله ؛ فعليه تحرير عبد ، وإذا لم يجد فعليه الصوم شهرين دون توقف ، وإذا لم يستطع صيام الكفارة ؛ فيقوم بإطعام 60 فقيراً .
الله يعلم الغيب ويعلم ما في قلوب الأشخاص إذا تحدثوا به أم لا، وسيظهر الله جميع أعمالهم في الآخرة. يشير إلى أن التآمر من الأعمال المحظورة والمخالفة للشرع، وأن المؤمنين الصادقين يجب عليهم عدم مناقشة الخطايا في المشورة السرية والأماكن الخفية. كما يشير إلى أنه قبل التشاور مع الرسول صلى الله عليه وسلم بشأن أمر خاص، يجب عليك أن تتصدق على الفقراء لأن ذلك هو الأفضل لك. وإذا لم تستطع، فعليك طاعة أمر الله سبحانه وتعالى .