المرأة التي سمع الله لها ” خولة بنت ثعلبة “
سيرتها ونسبها: خولة بنت ثعلبة بن أصرم بن فهد بن ثعلبة بن غنم بن عوف، هي زوجة الصحابي أوس بن الصامت، وأخت الصحابي عبادة بن الصامت، وشهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم في معارك بدر وأحد، وكان لها ابن يدعى الربيع بن أوس بن الصامت
خولة بنت ثعلبة هي السيدة التي نادت الله جل وعلا ” اللهم إني أشكو إليك ما نزل فيّ ” فأنزل الله فيها آيات سورة المجادلة: ” قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ “
تتمتع السيدة خولة رضي الله عنها بنسب وصهر رفيع وكريم، ولديها لسان فصيح وبليغ، وتتميز بالحسن والجمال بشكل كبير.
حادثة نزول آيات المجادلة في السيدة خولة: حدث خلاف بين السيدة خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت بشأن أمر معين، وتفاقمت الخلافات والجدالات بينهما حتى غضبت خولة كثيرا وقالت: `أنت علي كظهر أمي`. تأثرت خولة جدا بهذه العبارة وانهمرت دموعها بكثافة، وصرخت قائلة: `والله قد تحدثت عني بكلمة عظيمة، ولا أعلم ما مدى قسوتها`
خرج أوس بن الصامت إلى بعض أصحابه، وجلس معهم بعض الوقت وسامرهم ثم عاد إلى زوجته خولة في بيتها. وبدأ يراودها عن نفسها يطلبها لحاجته. فأبت السيدة خولة وذكرته بما قال وامتنعت قائلة: ” كلا، والذي نفس خولة بيده، لا تخلصنَّ إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه ..”.
انطلقت السيدة خولة نحو النبي عليه الصلاة والسلام وأخذت إذنا منه وجلست أمامه، وروت له قصة زوجها أوس وكانت نية خولة أن تجادل النبي عليه السلام في هذه المسألة وتقنعه بإمكانية استجابة زوجها لها، فألقت عليه كلمات بليغة وفصيحة تذكر لها
“يا رسول الله، إن أوساً من قد عرفت، أبو ولدي، وابن عمي، وأحب الناس إلي، وقد عرفت ما يصيبه من اللمم وعجز مقدرته، وضعف قوته، وعي لسانه، وأحق من عاد عليه أنا بشيء إن وجدته، وأحق من عاد علي بشيء إن وجده هو، وقد قال كلمة والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً قال: “أنت علي كظهر أمي”.
فأجابها النبي عليه الصلاة والسلام: قال النبي عليه الصلاة والسلام للسيدة خولة: `والله ما أراكِ إلا قد حرّمت عليه`. وعادت السيدة خولة تجادل وتعيد الحديث مع النبي عليه الصلاة والسلام، مؤكدة حبها له وأنها ستعاني بعد رحيله هي وابنها. وأعاد النبي عليه الصلاة والسلام قوله السابق: `والله ما أراكِ إلا قد حرّمت عليه`. وبعد ذلك، استراحت السيدة خولة رضى الله عنها.
قامت السيدة إلى الكعبة المكرمة وقلبها ينفطر حزنا على ما أصابها، رفعت يديها داعيةً: ” اللهم إني أشكو إليك شدّة وجدي، وما شقّ عليّ من فراقه، اللهم انزل على لسان نبيك ما يكون فيه فرج ..” حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها تقول من شدة إشفاقهم على حالها: “فلقد بكيت وبكى من كان منها ومن أهل البيت رحمةً لها ورقة عليها”.
وبالفعل، أجاب الله دعائها، وعندما غشي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل، نزلت الآية وبشّرتها: `يا خولة، قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبكِ قرآناً`. فكانت هذه بشرى رائعة لها
وكانت الآيات هي:
قد استمع الله إلى كلام السيدة التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع حواركما، فإن الله سميع بصير. الذين يظاهرون منكم زوجاتهم، فهؤلاء ليسن أمهاتهم، إن أمهاتهم هن إلا اللواتي ولدنهم، وإنهم يقولون كلاما مشينا وزورا. وإن الله لعفو غفور. الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون عن كلامهم، فعليهم أن يعتقوا رقبة مسبقا قبل أن يلتمسا ذلكم. هذا هو التوعية التي تعظون بها، والله بخبير بما تعملون. فإن لم يتيسر له ذلك، فعليه أن يصوم شهرين متتابعين قبل أن يلتمسا ذلكم. وإن لم يستطع فعل ذلك، فعليه أن يطعم ستين مسكينا. هذا ليكون دليلا على إيمانكم بالله ورسوله. وهذه هي حدود الله، وللكافرين عذاب أليم
بعدها قام النبي عليه السلام بشرح كفارة الظهارة، وقال:بعد أن أصبت وأحسنت، اذهبي وتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيراً”، وهذه الآية أصبحت بعد ذلك دستورًا للمسلمين بعد خولة وأوس.
شأنها مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: في إحدى المرات، كان عمر بن الخطاب يركب حماره وبصحبته أحد أصحابه، جارود العبدي، فاستوقفته السيدة خولة بنت ثعلبة وخاطبته بخطاب وعظي شامل، قائلة: `يا عمر، كنت تعرف بعمير في سوق عكاظ، ترعى الصبيان بعصاك، ثم مرت الأيام وسميت عمر، ثم مرت الأيام وسميت أمير المؤمنين، فاتق الله في رعيتك، واعلم أن من خاف التهديدات اقتربت عليه المصاعب، ومن خاف الموت خشي الخسارة، ومن اطمأنت نفسه بالحساب خاف العقاب
فلما ضجر منها “جارود” قال غاضبا:قد زادت أيتها المرأة العجوز على أمير المؤمنين”. فقام عمر بن الخطاب بإيقافها قائلا: “والله لو أحبستني منذ بداية النهار حتى نهايته، لم أزل إلا لأداء الصلوات المفروضة، إنها خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق السماوات السبع، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعها عمر