قصة جعفر بن حرب الذي غيرته آية
جعفر بن حرب الهمداني البغدادي كان مثالا في العلم والتطبيق، ودرس علم الكلام في البصرة، وكان أحد رؤوس المعتزلة في عصره، وكان غنيا ورث جاها ومالا من أبيه، وكان معروفا بالزهد والتقوى وحب العلم والسعي إليه، وله العديد من المؤلفات، بما في ذلك “متشابه القرآن” و”كتاب المسترشد” و”كتاب الاستقصاء” و”كتاب الرد على أصحاب الطبائع”، وتوفي في سن الستين في بغداد حيث عاش وتوفي في عام 236 هـ.
قصة آية مع جعفر بن حرب:
أبو القاسم التنوخي ذكر عن أبيه أن جعفر بن حرب كان يتولى مسؤوليات كبار الأعمال للسلطان، وكانت نعمته مثل نعمة الوزارة في كمالها ومنزلته الرفيعة، وفي يوم من الأيام سمع رجل يتلو آية من سورة الحديد، وهي: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد:16].
فصاح جعفر: اللهم بلى!! فكررّها دفعات وبكى، ثم نزل عن دابته ونزع ثيابه، ودخل دجلة واستتر بالماء ولم يخرج منه حتى فرّق جميع ماله في المظالم التي كانت عليه وردها وتصدق بالباقي، فاجتاز رجل فرآه في الماء قائماً وسمع بخبره فوهب له قميصاً ومئزراً، فاستتر بهما وخرج وانقطع إلى العلم والعبادة حتى مات.
جعفر بن حرب ومناظرة الواثق:
قيل مما نقل من أخبار جعفر بن حرب في كتاب سير أعلام النبلاء أنه حضر عند الواثق للمناظرة، ثم حضرت الصلاة فتقدم الواثق فصلى بهم، وتنحى جعفر فنزع خفه وصلى وحده، وكان قريبًا من يحيى بن كامل فجعلت دموع ابن كامل تسيل خوفًا على جعفر من القتل، فكاشر عنها الواثق فلما خرجوا، قال له ابن أبي دؤاد أي لـ جعفر: إن هذا السبع لا يحتملك على ما صنعت، فإن عزمت عليه فلا تحضر المجلس، قال جعفر: لا أريد الحضور، فلما كان المجلس الآتي تأملهم الواثق قال: أين الشيخ الصالح ؟ قال ابن أبي دؤاد : إن به السل، ويحتاج أن يضطجع، قال: فذاك.
المستفاد من سيرة جعفر بن حرب:
يتعلق قلب الإنسان بكتاب الله ويتأثر بكلمات الله تعالى، فكم من مرة يقرأ فيها القرآن وتمر الآيات على أذنه دون أن تلامس أوتار قلبه وتتعلق بها. يحدث ذلك للعبد الذي ملأ قلبه حب الدنيا وغروره بها، حيث يستمتع بما ورثه من ثروة ومال وسلطان على وجه الدنيا الجميل. ولكن عندما يسمع هذا العبد آية توجه إلى قلبه: `ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق` يشعر أن القرآن يخاطبه شخصيا، فيتجه نحوه بكل قواه ويترك الدنيا ومالها، ويتصدق بكل ماله لمن يستحقه، مع إعتزازه بالتجرد من الدنيا وتطلعه نحو الآخرة. نسأل الله أن يقبل منا ومنه أعمال الخير.