ادب

قصة المتنبي وصاحب البطيخ

شاع بين الناس أن أبو الطيب المتنبي بخيل، فسأله أحدهم عن السبب وراء ذلك وكيف يهجو البخلاء في شعره ويصف أفعالهم. وحكى المتنبي له عن السبب الذي جعله يبخل على نفسه ويضطر لكنز المال، وردت هذه القصة في كتاب “ألف قصة وقصة من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين والزاهدات” للمؤلف هاني الحاج.

المتنبي بخيل ولكن بسبب:
قيل للمتنبي: قد شاع عنك من البخل في الآفاق، ما قد صار سمراً بين الرفاق وأنت تمدح في شعرك الكرم وأهله وتذم البخل وأهله ألستَ القائل:   ومن ينفق الساعات في جمع ماله *** مخافة فقر فالذي فعل الفقرُ

يعتبر البخل سلوكا قبيحا، وأنت تمارسه بشكل أقبح، حيث إنك تتمتع بكبرياء النفس وعزة الهمة وتطمح للسيطرة والسلطة، والبخل يتعارض مع هذه الصفات. وقد ذكرت أنه يوجد سبب وراء البخل؛ ففي طفولتي، عندما كنت أسير من الكوفة إلى بغداد، حملت خمسة دراهم معي بجانب منديلي، وعندما مررت ببائع الفاكهة في سوق بغداد، رأيت خمسة بطيخات جميلة، وأردت شرائها بالدراهم التي معي.

 فتقدمت إليه وقلت: بكم تبيع هذه الخمسة بطاطيخ ؟ فقال بغير اكتراث: اذهب فليس هذا من أكلك، فتماسكتُ معه وقلت: يا هذا دع ما يغيظ واقصد الثمن. قال: ثمنها عشرة دراهم، فلِشِدَّة ما جبهني به ما استطعت أن أخاطبه في المساومة فوقفت حائراً ودفعت له خمسَةَ دراهم فلم يقبل، وإذا بشيخ من التجار قد خرج من الخان ذاهباً إلى داره.

 فوثب إليه صاحب البطيخ من الدكان، ودعا له وقال: يا سيدي، هل يمكنني أن أحمل هذا البطيخ إلى المنزل بإذنك؟” فرد الشيخ قائلا: “ويلك، ما الذي تفعله؟” فقال الرجل: “بمبلغ خمسة دراهم”، فقال الشيخ: “لا، بل بمبلغ درهمين”، ثم باعه الرجل بمبلغ درهمين، وحمله إلى منزله، ودعا للرجل، وعاد الشيخ إلى متجره مسرورا بما فعله.

فقلت: يا هذا ما رأيت أعجب من جهلك، اسْتمْتَ عليّ في هذا البطيخ وفعلت فعلتك التي فعلت، وكنتُ قد أعطيتك في ثمنه خمسة دراهم فبِعْتَه بدرهمين محمولاً، فقال: اسكت!! هذا يملك مائة ألف دينار، فعلمتُ أن الناس لا يُكرِمون أحداً إكرامهم من يعتقدون أنه يملك مائة ألف دينار، وأنا لا أزال على ما تراه حتى أسمع الناس يقولون: إن أبا الطيَّب قد ملك مائة ألف دينار.

هل المال هو الذي يُعزِّز مكانتك بين الناس؟
إذا أخذنا في الاعتبار أن قدوتنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نعتبر المال ذو قيمة ولا نمنحه أهمية. إنه وسيلة للحياة ولا يتعدى ذلك. يخترعه البشر لتسهيل التعامل وشراء احتياجاتهم من الطعام والملابس. هذا هو رسول الله، حبيب الرحمن، الذي يحتل أعلى مكانة ورفعة في خلق الله. كان فقيرا لا يملك ما يكفي لقوت يومه، ومات وهو فقير، ولم يترك وراءه درهما ولا دينارا. ومع ذلك، كان أعلى الناس شأنا وقيمة بفضل أخلاقه الحميدة التي انتشرت بين الناس قبل وصول الرسالة إليه. إنه كان صادقا وأمينا، ولم يكن غنيا أو ثريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى