منوعات

قصة الغرانيق الباطلة

قصة الغرانيق هي إحدى القصص التي ذكرت في مختصر سيرة الرسول صل الله عليه وسلم، ولم يثبت صحتها بطريقة موثوقة، إذ جاءت جميعها من روايات غير مؤكدة وغير موثوقة. وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره إنه بعد نقل هذه القصة بطرقها المتعددة: “وكلها مرسلات ومنقطعات”، وفيما يلي سنناقش رد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز حول ما جاء في هذه القصة وإمكانية صحتها.

ما هي قصة الغرانيق ؟
تضمنت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قصة الغرانيق بالشكل التالي: عندما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم أمام جمع من القوم، وصل إلى آية تتحدث عن اللات والعزى ومناة، ألقى الشيطان هذه الكلمات في تلاوته: `تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى`. ظن الحضور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام، ففرحوا كثيرا. ويقول الذين أثبتوا صحة القصة وما جاء فيها: حتى جاء جبريل ونكر هذا الكلام على النبي، وأصلح له ما أخطأ فيه. وكان رسول الله حزينا جدا على ما حدث.

رأي العلماء في صحة قصة الغرانيق:
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره؛ عندما سرد هذه القصة بأسلوبها، قال بعدها: `وكلها رسائل متقطعة`.
– قال ابن خزيمة: «إن هذه قصة من وضع الزنادقة».
– استنكرها كل من أبو بكر ابن العربي والقاضي عياض، وآخرون بناء على سند ونص.

يقول ابن العربي إن الله تعالى يضع المعرفة في قلب الملك الذي يرسله إلى رسوله، حتى يعلم أن كل ما يتلقاه من الوحي هو من الله. وبالتالي، لا يمكن للشيطان أن يتحدث من خلال الرسول، ويقرأ القرآن بشكل خاطئ عن قصد أو بدون قصد. ومن المتفق عليه أن الرسول مصون من الشرك، ولا يمكن له أن يتحدث بكلمات مثل “تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى” عن طريق الخطأ أو الظن بأنها آية قرآنية. ويحرص الرسول على عدم إثارة غضب شعبه، ولكن هذا لا يؤثر على رضا الله، الذي يريد فقط رضاه.

الرد على من قال بصحة قصة الغرانيق:
بعض العلماء استدلوا على ثبوت صحة قصة الغرانيق بقوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} [الإسراء:73]، يقول ابن العربي: هذه الآية لا تدل على صحة قصة الغرانيق، بل تدل على براءة النبي صل الله عليه وسلم مما نسب إليه من تلاوة هذه الكلمات الشركية، لأنها تفيد النفي لا الإثبات، ولأنها تفيد أن الشيطان ألقى في أمنيته، أي: تلاوته، وليس أن الشيطان ألقى على لسانه أو ألقاها في نفسه فتلاها أو قرأها، أو تكلم بها سهوًا أو غلطًا أو قصدًا، حتى جاء جبريل وأنكر عليه وأصلح له ما أخطأ فيه وأسف رسول الله أسفًا شديدًا على ما فرط منه ولم يثبت أن الآية نزلت تسلية للرسول صل الله عليه وسلم فيما أصيب به، مما ذكر في هذه القصة، حتى يكون مساعدًا على تأويلها بما جاء فيها من المنكرات وهو ما وافقه فيه أهل جمهور أهل السنة.

ومما سبق يتبين أن رواية قصة الغرانيق ليست صحيحة، وأنه ليس للشيطان سلطان أن يلقى على لسان النبي صل الله عليه وسلم شيئًا من الباطل فيتلوه أو يتكلم به، وربما ألقى الشيطان قولًا أثناء تلاوة النبي يتكلم به الشيطان ويسمعه الحاضرون، أو يوسوس الشيطان وساوس يلقيها في نفوس الكفار ومرضى القلوب من المنافقين، فيحسبها أولئك أنها من الوحي وليست منه، فيبطل الله ذلك القول الشيطاني، ويزيل الشبه، ويحكم آياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى