ادب

قصة ابو عبدالله الاندلسي الحقيقية .. ” كاملة “

من هو ابو عبدلله الاندلسي

أبو عبد الله الأندلسي هو قاضٍ من الأندلس، وهو واحد من أشهر وأكبر العلماء فيها. وُلد في قرية المرية، وكان حافظًا للقرآن الكريم والكثير من العلوم، وكان متفوقًا لدرجة أنه أصبح قاضيًا كبيرًا في الأندلس.

شارك بنشر الوعظ والإرشاد للجهاد، ولعب دوراً كبيراً في العديد من المعارك ضد النصارى، ومن بين هذه المعارك كانت معركة كتندة التي قادها يوسف بن تاشفين، وكانت هذه أخر معاركه قبل وفاته في هذه المعركة.

القصة الكاملة لابو عبدالله الاندلسي

تلك القصة ممتلئة بالعديد من الدروس والإنذارات، وأي شخص يكون في مركز مرموق من الأنشطة الأكاديمية أو في التصوف أو أي خدمة أخرى متعلقة بالدين سوف يستفيد منها ومن توجيهاتها، وسيتعلمون أنه من الهام أن يبتعد المرء عن التفكير في غيره على أنهم أدنى وأقل منه، وينبغي دائمًا أن يتذكروا نصيحة الشيخ شهاب الدين السهروردي المرشد الروحي للشيخ السعدي (رحمه الله): “لا تكن مغرورًا بنفسك ولا تنظر إلى أي شخص آخر بازدراء”.

في وقت (1981)، كانت التقوى والصلاح والثقة أمورا هامة ومؤكدة في حياة الأشخاص. وفي كل مدينة، كان هناك العديد من العلماء والرجال الأتقياء، وخصوصا في مدينة بغداد، التي كانت مقرا لتنظيم الدولة الإسلامية. كانت بغداد نقطة التقاء الفقهاء وعلماء الحديث والقديسين. ومن بين هؤلاء الرجال الأتقياء، كان هناك رجل يدعى أبو عبد الله الأندلسي. كان لديه 30 خنقا في بغداد، وكان من العلماء المشهورين والمحدثين. وقد قيل إن عدد تلاميذه كان اثنا عشر ألفا، وكان يعرف ثلاثين ألف حديث عن ظهر قلب، وكان قادرا على قراءة القرآن بجميع القراءات المتباينة.

ذهاب ابو عبدالله الاندلسي في رحلة إلى بغداد

في مناسبة مُحددة كان ابو عبدالله الاندلسي ذاهبًا في رحلة، وكان معه عدد كبير من الحاضرين من بينهم (جنيد البغدادي وشبلي)، وقد تتابع شبلي القصة فقال: “كانت القافلة الخاصة بنا تسير بصورة جيدة وآمنة ومريحة إلى أن مررنا بمكان كان يقيم فيه مسيحيون، وقد حان وقت الصلاة، ولكن نتيجة لعدم وفرة الماء، فلم نقم بهذا بعد، وحينما وصلنا للقرية المسيحية، بحثنا عن الماء، وتجولنا في القرية واكتشفنا أن المدينة بها الكثير من المعابد والمذابح لعبادة للشمس والكنائس، وقد كان البعض منهم يعبدون الشمس، والآخر يعبدون النيران، وآخرون يوجهون مناشداتهم إلى الصليب، ومررنا بكل ذلك إلى أن وصلنا لضواحي المدينة، إذ أننا وجدنا بئرًا وبعض الفتيات يجلبن المياه حتى يشربه الناس”.

وجاءت عينا الشيخ أبو عبد الله على واحدة من الفتيات ممن تميزن عن الأخريات بجمالها الشديد، وقد كانت ترتدي ملابس جميلة وتتزين بالمجوهرات، سأل الشيخ رحمه الله الفتيات الأخريات من هذه، فقالوا له: تلك بنت سيدنا، فأجابهن الشيخ رحمه الله: فلماذا أذلها والدها إلى درجة أن تجلس بجانب البئر وتسقي الناس ماءً حتى يشربوا؟

فردت الفتيات: “لا يريدها أن تجلس وتفخر بممتلكات أبيها”، ويقول شبلي رضي الله عنه: جلس الشيخ وأحنى رأسه للأمام وصمت هكذا لثلاثة أيام، وفي وقت الصلاة كان يؤدي صلواته، وفي ثالث يوم بعد أن أحسست باليأس مما هو عليه من وضع، فقررت أن أتحدث معه وقلت له: يا شيخ مُريديك قلقون جدا وحائرين من ذلك الصمت المستمر عنك، من فضلك تحدث إلينا، ما المشكلة؟”

أجاب الشيخ رحمه الله: أصدقائي الأعزاء، إلى متى سوف أستطيع أن أخفي حالتي عنكم؟ إن قلبي ممتلأ بالحب للفتاة التي شاهدناها أول أمس، لقد ملأني ذلك الحب إلى درجة أنه أصبح مُتحكمًا في كافة أطرافي، ولا يمكنني أن أغادر من هنا تحت أي ظرف من الظروف”، فرد شبلي رحمه الله: زعيمنا، أنت المرشد الروحي للعراق كلها، أنت مشهور بتقواك وعلمك وفضائلك، وعدد تلاميذك أكثر من 12000 تلميذ، فأرجوك عن طريق القرآن الكريم ألا تخزنا”، فأجاب الشيخ رحمه الله: أصدقائي الأحباء، لقد حُكم القدر على نصيبك، وعباءة القداسة أزيلت عني، وعلامات الهداية أخذت عني، ما تم تحديده مسبقًا قد حدث، الآن أنا لا شيء”، وبقوله ذلك بدأ الشيخ رضي الله عنه البكاء بمرارة.

الترحيب بشيخ  أبو عبدلله الاندلسي

عندما سمع الناس بعودتنا، توجهوا بأعداد كبيرة نحو أطراف المدينة ليلتقوا بالشيخ (رحمه الله). وعندما رأوا أنه ليس معنا، سألوا عن غيابه، وأخبرناهم بالقصة كاملة. شعروا بالحزن العميق وبكوا بشدة، وفي صلواتهم تضرعوا إلى الله ليهدي الشيخ ويعيده إلى وضعه السابق. في هذه الأثناء، تمت إغلاق جميع الخناقات، واستمرنا في التحدث عن مأساة الشيخ. بعد سنة واحدة، عندما قررنا زيارة تلك المدينة مرة أخرى لنتعرف على أحوال الشيخ، ذهب بعضنا، وعندما استفسرنا، أخبرونا أنه كان في الغابة يرعى الخنازير. فقلنا: حفظ الله! ماذا حدث؟ قال لنا الأهالي إنه تقدم بطلب للزواج من ابنة رئيس القرية، ووافق والدها بشرط أن يعتني بالخنازير.

وبينما كانت الدموع تسيل من عيوننا، ذهبنا إلى الغابة التي تحتضن الخنازير، ورأيناه وهو يرعى الخنازير ويحمل خيطًا من الخرز المقدس حول عنقه، وكان يقف بنفس الطريقة التي كان يقف بها عندما كان يلقي علينا الخطب، وكان ذلك مثل الملح على جروحنا المفتوحة.

عندما اقتربنا منه، لاحظنا أنه ينحني رأسه بخجل. وبعدما اقتربنا منه، قلنا له: `السلام عليكم`، فرد علينا قائلا: `وعليكم السلام`. ثم سألناه شبلي قائلين: `فضيلة الشيخ، بفضلك وعلمك، ما هو الأمر الذي ألم بك؟` فأجاب الشيخ رحمه الله قائلا: `إخوتي، حاليا لم أعد أتحكم بمصيري واختياراتي، فما شاء الله يكون معي. بعد أن جعلني أقترب كثيرا من بابه، أزالني الآن بعيدا عنه. ومن يستطيع أن يعارض قضاء الله؟ يا إخوتي، اتقوا عظمة الله وغضبه، فلا تتكبروا أبدا فيما يتعلق بعلمكم وفضلكم.` ثم التفت إلى السماء وقال: `يا إلهي، لم أتوقع أبدا أن تجعلني محتقرا ومخزيا وتطردني من عتبتك.` ثم بدأ يبكي بمرارة ويدعو الله.

عندما شاهدوا الشيخ في حالة اليأس تلك، عادوا إلى بغداد. وأثناء سفرهم، رأوا الشيخ أمامهم وهو يخرج من النهر بعد أن اغتسل للتو، وصرخ بصوتٍ عالٍ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله.

وطلب الشيخ منا أن نلبس أزياء نقية، ثم بدأ يؤدي الصلاة، وسئل بعد هذا عن السبب في تعرضه لمثل تلك المحاكمة الهائلة؟، وحينما وصلنا للقرية وشاهدنا المعابد والكنائس وأبصرنا من يعبدون النار منشغلين في عبادة غير الله، غلبت على قلبي كبرياء، وظننت أن أولئك الأشخاص حمقى لعبادة أشياء هامدة، وفي هذا الوقت سمعت صوتًا في داخلي يقول: “ذلك الإيمان الذي عندك، ليس في فضيلتك أو صفاتك الجيدة، وكل ذلك مجرد نعم الله عليك، فلا تظن إيمانك من اختيارك، بحيث تستطيع أن تنظر لهؤلاء الأشخاص بعيون محتقرة.

ويروي شبلي: بعد وصول قافلتنا إلى بغداد بسعادة عارمة في كل مكان، كان جميع المريدين سعداء للغاية بعودة الشيخ إلى الإسلام، وقد استأنف نشاطه في التصوف والتفسير والحديث، وأعاد فتح الخانقاه، وفي وقت قصير بلغ عدد مريديه أكثر من 40,000 شخص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى