صفات المنافقين في سورة التوبة
هذه السورة الكريمة هي إحدى آخر السور التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد غزوة تبوك بـ 22 عاما من بدء الرسالة والوحي. وهي سورة مدنية، وتتألف من 120 آية. تمثل هذه السورة البيان الختامي للدعوة والرسالة، ونزلت في وقت كان المسلمون يستعدون للخروج برسالة الإسلام إلى خارج الجزيرة العربية، مما أدى إلى فتح العالم لهذه الرسالة. ولذلك، توقيت نزول سورة التوبة كان دقيقا وحكيما.
وهي السورة الوحيدة في القرآن التي لا تبدأ بالبسملة، فالبسملة هي البوابة التي تنقل القارئ من عالم إلى آخر بتحت اسم الله تبارك وتعالى. والسبب وراء عدم بدء السورة بالبسملة هو أنها نزلت في ظلم الكفار وأعمالهم. وقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سئل عن عدم ذكر البسملة في سورة التوبة: إن “بسم الله الرحمن الرحيم” هو أمان وبراءة، وسورة التوبة نزلت بالسيف ولا يوجد فيها أمان. ونزلت السورة في سياق المنافقين ولا يوجد أمان للمنافقين، وكأن الله تعالى حرم عليهم رحمته بالبسملة. وروى حذيفة بن اليمان أنه قال: “إنكم تسمونها سورة التوبة ولكنها في الحقيقة سورة العذاب، ووالله لم يترك أحدا من المنافقين إلا وأصابته عقوبتها.
اسماء سورة التوبة
تسمى سورة التوبة بأسماء عديدة وصلت إلى 14 اسماً منها: تضم السورة براءة وتوبة وخزي وفضيحة وكشف وعقاب وإثارة وتشتيت وتشريد وحصار. كشفت هذه السورة أعمال الكفار والمنافقين والمتخاذلين. تأتي سورة التوبة بعد الأنفال لأن الأنفال تتحدث عن غزوة بدر الأولى للمسلمين، في حين تتحدث التوبة عن غزوة تبوك، والتي كانت آخر غزوة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا يعكس الفرق في المجتمع الإسلامي بين الغزوتين، وكأنه يقدم صورة تحليلية للمجتمع، حيث يشعر القارئ بأن السورتين هما سورة واحدة، تبدأ بنصر الأمة وتنتهي بتمكينها.
سبب التسمية
تمت تسمية هذه السورة بالتوبة لأنها كانت آخر ما نزل من القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم. وبما أنها النداء الأخير للبشرية، أراد الله تعالى أن يعلم المؤمنين بأن باب التوبة مفتوح وعليهم أن يستعجلوا في استغفارهم قبل أن يأتي العذاب. فسبحان الذي وسعت رحمته كل شيء وسبقت رحمته غضبه. إنه رحيم بعباده ومغفور لهم.
تم ذكر كلمة التوبة في هذه السورة 17 مرة، وظهرت في آيات أخرى في القرآن الكريم. ظهرت في سورة البقرة 13 مرة، وفي سورة النساء 12 مرة، وفي سورة المائدة 5 مرات. فلنحمد الله الذي يفتح أبواب التوبة للجميع، بغض النظر عن كونهم كفارا أو عصاة أو منافقين، بالرغم من ما اقترفوه في حياتهم. تناولت هذه السورة صفات المنافقين لكي نكون حذرين منهم ولكي لا نستغرب أفعالهم. ومن صفات المنافقين التي ذكرت في سورة التوبة، يمكن ذكرها على النحو التالي:
أبرز صفات المنافقين التي تناولتها سورة التوبة
-تعدد الأعذار الواهية التي لا يتصلون بها بالواقع، وهذه الأعذار تظهر منهم فقط في الأوقات الصعبة والملمات عندما يتطلب الأمر منهم العطاء والتضحية. ففي حين كان النبي عليه الصلاة والسلام يجهز الجيوش للمعارك، كان المنافقون يأتون إلى الرسول الكريم ليعتذروا له بأعذار واهية، عسى أن يرخص النبي لهم في التخلف عن المشاركة في القتال. ومنهم من يقول إن المسافة بعيدة ولا يستطيعون الوصول إليها، ومنهم من يقول إن الجو حار جدا ولا يستطيعون تحمله، ومنهم من يعتذر بسبب ضعفهم أمام الشهوات، عسى أن يكونوا قد أغرتهم بعض مظاهر الحياة الرغدة .
من أبرز ما يميز المنافقين هو تكرارهم الحلف واليمين، حيث يظنون أن ذلك سيجلب لهم الثقة والتآزر من المؤمنين، وسيزيل الشك حول أفعالهم .
إحدى صفات المنافقين التي تناولتها سورة التوبة هي كثرة اللمز، والتحدث فيما لا يعنيهم، فهم يلمزون المسلمين الذين يقومون ببذل أموالهم وأنفسهم في سبيل الله، ويتحدثون عن عطاء كل واحد منهم، وكذلك يستخدمون رضاهم وسخطهم كمعيار لما يقدمونه من خير لهم، فعندما يكون لهم نصيب من الخير يرضون به، وعندما لا يكون لهم نصيب يغضبون ويلعنون ويطعنون في رسول الله والمسلمين معه .
وكما هو معتاد منهم، يتألمون بما يتألم به المسلمون من الشر أو السوء، أو الحزن، ويتظاهرون بالفرح عندما ينتصر المسلمون على أعدائهم، ولكن في الحقيقة، تمتلئ قلوبهم بالغضب والكراهية .
والسورة بشكل عام فضحت المنافقين وكشفت أعمالهم وأساليب نفاقهم وألوان فتنتهم وتخذيلهم للمؤمنين لتواجههم بها حتى يتوبوا وكذلك حرّضت المؤمنين على قتال المنافقين ليدفعوهم للتوبة أيضاً. ودعوة المؤمنين للتوبة خاصة المتخاذلين منهم فالتخاذل عن نصرة الدين يحتاج للتوبة تماماً كما يحتاج المؤمن للتوبة من ذنوبه.