ادب

صحة قصة رحلة سلام الترجمان .. وحقيقتها

من هم يأجوج ومأجوج

تحكي قصة سد يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم، وذلك في سورة الكهف – الآيات 93-97. وفيها قال الله تعالى: “حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا، قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا؟ قال: ما مكني فيه ربي خير، فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما، آتوني زبر الحديد، حتى إذا سوى بين الصدفين قال: انفخوا، حتى إذا جعله نارا قال: آتوني أفرغ عليه قطرا، فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا”. والله العظيم صدق

في السنة النبوية الشريفة ورد ذكر يأجوج ومأجوج، وورد أيضا في الحديث الشريف أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل على زينب بنت جحش رضي الله عنها، وصرخ قائلا “لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه”، ثم حلق بإصبعه الإبهام والتي تليها. فقالت زينب بنت جحش: “يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟” فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام: “نعم، إذا كثر الخبث”. فصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام.

اتفق أهل العلم على أن يأجوج ومأجوج هما قبيلتان عظيمتان، وأن الله تعالى منحهما العمر الطويل والإنجاب الكثير، وأن يأجوج ومأجوج ينتسبان إلى يافت بن نوح، واختلف العلماء في طبيعة يأجوج ومأجوج، لكن معظم أهل العلم يرون أنهما بشر مثلنا تمكنوا من القوة التي منحهما الله تعالى، لكنهما فسدا في الأرض.

ظهر ملك يدعى ذي القرنين – وليس الإسكندر المقدوني الذي ربما حمل اللقب نفسه احتفاء به – ويعتقد أنه عاش في زمن إبراهيم عليه السلام، وكان عبدا صالحا. وقد طلب منه القوم الذين يعيشون بجوار يأجوج ومأجوج بناء سد بينهم وبين القبيلتين، على أن يشاركوا في تحمل تكاليف البناء.

طلب منهم أن يحضروا له رجالا يجلبون له الحديد، وقام ببناء سد على جانبي الجبل حيث وضع لبنات من الحديد وصب عليه نحاسا مصهورا. وبعد ذلك، لم يتمكن يأجوج ومأجوج من تسلق السد بسبب أنه أملس ومستوي مع الجبل. وقال ذي القرنين إنه عندما يحين موعد خروجهم، سيجعل الله عز وجل الأرض مستوية ليخرج يأجوج ومأجوج، ويعتبر خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى.

من هو سلام الترجمان

كان سلام الترجمان من الأشخاص الذين عاشوا في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد وابنه المعتصم بالله وحفيده الواثق بالله. وتحكي قصة رحلة سلام الترجمان في كتاب المسالك والممالك لابن خردابة، وهو كتاب في مجال الجغرافيا يصف الأراضي وسكانها وصفاتها وتقسيماتها الإدارية في القرن التاسع الميلادي.

صحة قصة رحلة سلام الترجمان

يحكي بن خرداذبة في كتابه أن الخليفة الواثق رأى في حلمه أن سد يأجوج ومأجوج الذي بناه ذو القرنين قد انفتح، ففزع الخليفة وطلب من حاشيته شخصًا يذهب ليستكشف موضع سد يأجوج ومأجوج وحقيقته، وفي النهاية نصحه رجاله بإرسال سلام الترجمان.

قام الواثق بإرسال الترجمان مع 50 شابًا قويًا وأعطاه 15 ألف درهم وأعطى كل واحد منهم ألف درهم وكفاية رزق لسنة، وأعطى سلام رسالة إلى حاكم أرمينيا وذكر الكتاب أنه كان يقيم في تفليس وهي عاصمة جورجيا الحالية.

قام المترجم بالتنقل بين مناطق القرم الحالية حتى وصل إلى ملك قبيلة تدعى الخزر، وهم من الشعوب التركية القديمة الذين عاشوا بين سواحل أتيل وشبه جزيرة القرم، وعاشوا في مملكته لمدة يوم وليلة. ثم أرسل معهم خمسة رجال كدليل لهم لإرشادهم في رحلتهم إلى السد.

استغرقت رحلة سلام الترجمان 26 يومًا بعد مغادرتهم مملكة الخزر حتى وصلوا إلى أرض سوداء رائحتها منعشة، وقاموا بالمشي في تلك الأرض لمدة 10 أيام.

ثم دخلوا إلى مدن مدمرة وأخبره الأدلاء الذين خرجوا معه أن يأجوج ومأجوج هم من دمروا تلك الأراضي، ووصل الترجمان إلى أرض يسكنها مسلمون يتحدثون العربية ويقرؤون القرآن، فعندما رأوه العرب أسرعوا إليه وسألوه من أين جاء، فأخبرهم أنه رسول أمير المؤمنين.

فعبَّر الناس عن استغرابهم وبدأوا يسألون عن شكل وصفات أمير المؤمنين ومكان إقامته لأنهم لم يسمعوا به من قبل، ومن ثم تواصلت الرحلة حتى وصلوا إلى مدينة تسمى الأيكة، وهي المدينة التي يعتقد الترجمان أن ذي القرنين كان ينزل فيها مع جيشه.

سار الرجلان لمدة ثلاثة أيام حتى وصلا إلى السد، وخلال رحلتهما مروا بعدة حصون وقرى، ووصلت الرحلة إلى جبل عالٍ يوجد عليه حصن، وكان السد الذي بناه ذي القرنين يقع في شق بين جبلين.

وصف سد يأجوج ومأجوج في رحلة سلام الترجمان

كما ذكر الترجمان فإن عرض السد مائتا ذراع، وأن أساس هذا السد داخل الأرض يصل إلى ثلاثين ذراعًا، وهو مبني من الحديد والنحاس، وفي السور عضادتين ( قائمين يخرجان من الأرض لدعم الباب) تليان الجبل، وكل السور مبني من حديد مذاب في النحاس، وطول القطعة الواحدة في البناء ذراع ونصف وسمكها أربع أصابع .

كما ذكر الترجمان، فإن الأدوات التي استخدمها ذي القرنين لصهر المعادن والمغارف التي استخدمها والسلاسل التي كانت تستخدم في بناء السد ورفع لبناته مازالت موجودة في المنطقة خلف السد، وأن هناك قفلا كبيرا على باب السد لا يستطيع رجل واحد حمله.

وأشار أيضًا إلى أن سكان الحصون المجاورة يحرسون هذا الباب، حيث يأتي الحارث كل يوم اثنين ويوم خميس ومعه ثلاثة رجال، ويضربون القفل بمطارق حديدة في الصباح والظهر والعصر، ومن ثم ينصرف الحراس عند غروب الشمس. والهدف من ذلك هو أن يعرف يأجوج ومأجوج أن هذا الباب يحرسه الناس.

طلب الترجمان من صاحب المعهد أن يفحص الباب لمعرفة وجود أي عيوب به، فوجد شقًا دقيقًا في الباب، فاستخرج الترجمان سكينًا وحذف المساحة المتأثرة واستخلص نصف درهم من الحديد، ولفه بمنديل ليعرضه للخليفة الواثق.

ذكر الرجال الذين كانوا مع الترجمان ويعيشون في تلك المنطقة أنهم رأوا مرة عددًا من قوم يأجوج ومأجوج فوق الجبل، ولكن هبت ريح سوداء فأدت إلى دفعهم داخل السد.

انتهت رحلة سلام الترجمان بعد 28 شهرًا من الانطلاق، قضى منها 16 شهرًا في الذهاب و12شهرًا في العودة، وفقد 36 رجلًا من طاقم الرحلة، حيث توفي 22 منهم في رحلة الذهاب و14 في رحلة العودة.

حقيقة رحلة سلام الترجمان

اهتم العديد من الباحثين الجغرافيين والمؤرخين بكشف حقيقة رحلة سلام الترجمان إلى سد يأجوج ومأجوج، وقد نقلت تلك القصة بعض المؤرخين المسلمين الأوائل في كتبهم، ولكنهم في الواقع نقلوا جميعًا تلك القصة من مصدر واحد فقط وهو كتاب المسالك والممالك لابن خرداذبة.

قام بعض المؤرخين بتعديل قليل على الرواية الأولى، وظهرت بعض الأساطير حول الرحلة في الكتب اللاحقة، ولكن هذه الأساطير لم يتم ذكرها في المرجع الأساسي للرحلة وهو كتاب المسالك والممالك.

على الرغم من أن كبار المفسرين الذين فسروا القرآن الكريم وسورة الكهف لم يولوا اهتمامًا كبيرًا بذكر رحلة سلام الترجمان للسد، ومنهم الرازي الذي ذكر الرحلة بإيجاز في كتابه، إلا أن سلام الترجمان ذكر تفاصيل وأوصاف السد التي لم يذكرها الآخرون.

على الرغم من شك بعض المؤرخين غير العرب في العصور الحديثة في حدوث الرحلة، إلا أن بعضهم الآخر مثل المؤرخ الروسي كراتشكوفيسكي، أشار إلى رحلة سلام الترجمان، ولكنه يعتقد أن الترجمان قد وصل إلى سور الصين العظيم، وأنه هو سد يأجوج ومأجوج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى