شعراء العصر الاموي
نشأت الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان بعد أن تنازل علي بن أبي طالب ليوحد صفوف الإسلام ويقضي على الفتنة. ظهر العديد من الشعراء المميزين في هذا العصر وزاد عددهم عن شعراء العصر الجاهلي، وتغيرت أغراضهم الشعرية .
نبذة عن الشعر في العصر الأموي
يصف العديد من المؤرخين الشعر الأموي كونه تجسيدا للآداب الجاهلية وبداية الآداب الإسلامية، وظهرت طوائف سياسية متعددة في شعر العصر الأموي، حيث كان كل شاعر يعبر عن آرائه واتجاهاته السياسية المختلفة في شعره، كما تميز الشعر العذري بصفاته الفنية في هذا العصر، وظهرت طوائف أخرى مثل شعراء النقائض وشعراء الطبيعة وشعراء الزهد وشعراء اللهو والمجون وغيرهم .
أبرز شعراء العصر الأموي
شعراء المديح والهجاء
يعتبر المديح والهجاء موضوعين مهمين جدا في هذا العصر، وقد انتشرا بشكل كبير، وتأثر المديح بالاتجاهات السياسية والحزبية، وأصبح الشعراء يستخدمونه لكسب مكانة خاصة لدى الأمراء والخلفاء وللحصول على مرتبة مميزة. ولذلك، غالبا ما يحتوي شعر المديح على الطمع والكذب والنفاق الواضح، ومع تطور هذا النوع من الشعر، تطور الهجاء أيضا وتنوعت وتفرعت. ودخل فيه العديد من الفرق السياسية والمذهبية والطائفية والقبلية والفردية .
– الطرماح بن الحكيم
يُعَدُّ الطرماح واحدًا من أشعر شعراء العرب، حيث ولد وتربى في الشام، ثم انتقل إلى الكوفة وأصبح معلمًا فيها، وكان ينتمي إلى الخوارج، وكان معروفًا بأنه هجّاء متميز، وكان صديقًا للكميت بن زيد شاعر المديح المعروف، ومن بين أشعار الطرماح في الهجاء
إنَّ بمعنٍ إنْ فخرتَ لمفخراً
وفي غيرِهَا تبنَى بيوتُ المكارمِ
مَتَى قُدْتَ يَا بْنَ العَنْبَرِيَّة عُصْبَة
مِنَ النَّاسِ تَهْدِيها فِجَاجَ المَخَارِمِ
إذا كان ابن جدك يكاد يكون جاهلا
فإنَّ الذُّرى قدْ صرنَ تحتَ المناسمِ
فَقُدْ بِزِمَامٍ بَظْرَ أُمِّكَ، واحْتَفِرْ
بأيرِ أبيكَ الفسلِ كرَّاثَ عاسمِ
شعراء النقائض
ينتمي شعر النقائض إلى شعر الهجاء ، وهو يكون بين شاعرين أو أكثر ، حيث يقوم أحد الشاعرين بنظم قصيدة يمدح بها نفسه ويذم الشاعر أو الشعراء الآخرين ، ثم يقوم الشاعر الآخر بنظم قصيدة ليمدح بها نفسه ويذم الشاعر الأول ، ولكن يكون وزن تلك القصيدة هو نفس وزن القصيدة الأولى وقافيتها ، ولكنها تتفوق عليها بالمعاني ، ومن أشهر شعراء النقائض بهذا العصر هم : جرير والأخطل والفرزدق .
– الأخطل
الأخطل هو غياث بن غوث بن طارقة، وهو شاعر عربي نصراني من بني تغلب. كانت نشأته نشأة سيئة مما جعله يحصل على لقب الأخطل، أي السفيه. كان الأخطل قريبا من الخلفاء الأمويين ويقوم بمدحهم. وهو صاحب قول: `جرير يغرف من النهر، والفرزدق ينحت في الصخر`. فهاجمه الفرزدق، وتسبب هذا الأمر في اشتعال معركة حامية بينهما. ومن أجمل ما قاله الأخطل:
أجريرُ إنّك والذي تَسْمو لَهُ
كأسيفَة ٍ فَخَرتْ بحَدْجِ حَصانِ
حملتْ لربتها، فلما عوليتْ
نسلتْ تعارضها مع الأضغان
أتَعُدُّ مأثُرة ً لغَيْرِكَ ذكْرُها
وسناؤها في غابرِ الأزمانِ
في دارِمٍ تاجُ المُلُوكِ وصِهْرُها
أيامَ يربوعٌ مع الرعيانِ
متلففٌ في بردة ٍ حبقية ٍ
بفناء بيتِ مذلةٍ وهوانِ
يَغْذو بنيهِ بثَلّةٍ مَذمومَةٍ
ويكونُ أكبرَ همهِ ربقان
سبقوا أباك بكلّ مجمعِ تلعةٍ
بالمجدِ، عند مواقفِ الركبانِ
فإذا رأيتَ مجاشعاً قد أقبلتْ
رجَحوا، وشال أبوك في الميزانِ
فإذا كُلَيْبٌ لا تُوازِنُ دارِماً
عِفَواتُهُ وسُهولَةُ الأعْطانِ
فاخسأ إليكَ كليبٌ، إن مجاشعاً
وأبا الفوارسِ نهشلاً أخوانِ.
– جرير
جرير هو أحد أشهر الشعراء العرب على الإطلاق، ونشأ في البادية واكتسب العلم واللغة من هذا البيئة، واشتهر بملحمته النقائض مع الشاعرين الأخطل والفرزدق، وصدامه مع شعراء آخرين مثل سراقة بن مرداس وعدي بن الرقاع العاملي، وتمكن من الوصول إلى الخلفاء الأمويين بفضل شهرته، مثل الخليفة الخجاج ومروان بن عبد الملك. ومن أجمل ما نظمه
لَوْلا ابنُ حَكّامِ وَأشْرَافَ قَوْمِهِ،
لشقَّ على سعدْ بن قيسٍ حنينها
أما خفتني يا حنبُ إذْ بتَّ لاعباً
و باتتْ لقاحي ما تجفُّ عيونها
يا جنب، لقد أديت دينًا في الحزن
عَسَتْ تُقتَضَى من أُمّ جَنبٍ ديونُهَا
وَأقْرَضْتَ قَرْضاً سوْفَ تُجزَى بمثْله
وحربتَ أسداً ما يرامُ عرينها
فَلَوْ صّادَفَتْ تلكَ الحجارَة ُ رَأسَهُ
لغادرتَ أمَّ الرأسِ تغلي شؤنها
فكَيفَ تَقُولُ الله يُزْكى صَحيفَة ً
بعنوانها جنبٌ وجنبٌ أمينها
أيا جنبُ قدْ كانتْ تميمةُ حرة ً
ولكنها بئسَ القرينُ قرينها
وما فارقت يا جنبُ، حتى حبستها
مسلسلةً وافي الهلالُ جنونها.
– الفرزدق
هو همام بن غالب بن صعصعة من بني تميم. ولقب بالفرزدق بسبب وجهه الضخم الذي يشبه رغيف الخبز. الفرزدق هو اسم يطلق على رغيف الخبز في الثقافة العربية. حصل على المعرفة والعلم من مجالس العلماء، وخاصة مجلس الحسن البصري. تم اعتبار قصائده شاهدا شعريا على القواعد النحوية واللغوية بسبب قوتها وجمال ألفاظها. كان يعتز بأصله في شعره، ومن أجمل ما قاله:
إذا لاقَى بَنُو مَرْوَانَ سَلّوا
لِدِينِ الله، أسْيَافاً غِضَابَا
صَوارِمَ تَمْنَعُ الإسْلامَ مِنْهُمْ
يُوَكَّلُ وقْعُهُنّ بِمَنْ أرَابَا
بِهِنّ لَقُوا بِمَكّةَ مُلْحِدِيها
وَمَسكِنَ يُحسِنونَ بها الضِّرَابَا
فَلَمْ يَتْرُكْنَ مِنَ أحَدٍ يُصَلّي
وَرَاءَ مُكَذِّبٍ إلاّ أنَابَا
إلى الإسْلامِ، أوْ لاقَى، ذَمِيماً
بهَا رُكْنَ المَنِيّةِ وَالحِسَابَا
وَعَرّدَ عَن بَنِيهِ الكَسْبُ مِنهُمْ
وَلَوْ كانُوا ذَوِي غَلَقٍ شَغابَا.
شعراء الغزل العذري
يعرف طائفة شعراء الغزل العذري بأنهم منافيون لما يكتبه شعراء الغزل الصريح ، حيث كان ما يكتبونه يعبر عن جمال الروح وليس الجمال الجسدي ، وكان الشاعر منهم عندما لا يتزوج محبوبته يهيم على وجهه بالصحراء حتى يموت على حبها ، ومن أشهر شعراء الغزل الصريح قيس بن الملوح وقيس بن ذريح وجميل بن معمر وعروة بن حزام .
– قيس بن الملوح
: هذا الشاعر العربي الشهير والمعروف باسم “مجنون ليلى” يحب العامرية بشدة وهو واحد من أشهر شعراء هذا العصر، كما أنه نجح في الزواج من محبوبته، لكنهما لم يرزقا بأولاد، وانفصلا، ولكنه استمر في الحب والحزن حتى تزوجها مرة أخرى، وتوفيت زوجته بعد مرض، وبقي ملازما لقبرها حتى مات. ومن أجمل ما قاله هو:
تُبَاكِرُ أمْ تَرُوحُ غداً رَوَاحا
وَلَنْ يَسْطِيعَ مُرْتَهَنٌ بَرَاحَا
سقيمٌ لا يُصَابُ له دواءٌ
أصَابَ الُحبُّ مُقْتلَهُ فَنَاحَا
وعذَّبهُ الهوَى حتَّى بَرَاهُ
كَبَرْيِ القَيْنِ بالسَّفنِ القداحَا
فَكَاَد يُذِيقُهُ جُرَعَ المَنَايَا
وَلَوْ سَقّاهُ ذلِكَ لاسْتَرَاحَا
شعراء الزهد
ظهر هذا النوع من الشعر تأثرا بالدعوة الإسلامية التي تشجع الأخلاق الحميدة والأعمال الصالحة، وكانت حركة شعر الزهد ردا على شعر المجون واللهو والخلاعة، وحاول شعراء هذا الاتجاه الابتعاد عن الحياة الدنيا وتجنب مخالطة الناس للحفاظ على استقرارهم، وتجهوا إلى التوعية في شعرهم وتذكير الناس بتعاليم الإسلام، ومن أشهر شعراء الزهد: الحسن البصري وأبو الأسود الدؤل .
– أبو الأسود الدؤولي
يعتبر من أشهر شعراء الزهد في العصر الأموي، كان صديقا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان يتميز بمعرفته الواسعة في النحو واللغة، وله عدة آثار في هذا المجال، وشهد حادثة صفين مع معاوية بن أبي سفيان، وكتب العديد من الأشعار في المديح والهجاء والغزل بالإضافة إلى الزهد، ومن أجمل ما قال
لَعَمري لَقَد أَفشَيتُ يَوماً فَخانَني
إِلى بَعضِ مَن لَم أَخشَ سِرّاً مُمَنَّعا
فَمَزَّقَهُ مَزقَ العَما وَهوَ غافِلٌ
وَنادى بِما أَخفَيتُ مِنهُ فَأَسمَعا
فَقُلتُ وَلَم أَفحَش لَعاً لَكَ عالياً
وَقَد يَعثرُ الساعي إِذا كانَ مُسرِعاً
فَلَستُ بِجازيكَ المَلامَةَ إِنَني
أَرى العَفوَ أَدنى لِلسَّداد وَأَوسَعا
وَلَكِن تَعلَّم إِنها عَهدُ بَينِنا
فَبِن غَيرِ مَذمومٍ وَلَكِن مودَّعا
حَديثاً أَضَعناهُ كِلانا فَلَن أُرى
وَأَنتَ نَجيّاً آخِرَ الدَهرِ أَجمَعا
وَكُنتَ إِذا ضَيَّعتَ سِرَّك لَم تَجِد
سِواكَ لَهُ إِلاّ أَشَتَّ وَأَضيَعا.