شخصيات نسائية صنعن تاريخ المغرب
لعبت المرأة المغربية دورا كبيرا في بناء مجتمع المغرب عبر العصور المختلفة، بدءا من الدولة الإدريسية وانتهاء بالدولة العلوية، ولم يكن دورها مقتصرا على أن تكون تحت سيطرة الرجل فقط، بل أسهمت بشكل كبير في إدارة البلاد. وقد عدل التاريخ وبعض المؤرخين عن الجهل والتحيز تجاه دور المرأة المغربية، وأشادوا بالدور الهام الذي لعبته في مختلف العصور، مثل كنزة الأوروبية وزينب النفزاوية وفاطمة الفهرية والسيدة الحرة التي تعتبر أهم حاكمة في تاريخ المغرب. إنهن نساء قويات، جمعهن حب الوطن، ومارسن السياسة ضد الظلم والاضطهاد من أجل الحرية والمساواة، ودافعن عن المبادئ النبيلة حتى آخر لحظة في حياتهن.
أهم النساء اللواتي صنعن تاريخ المغرب
كثيرة هي الشخصيات النسائية التي ساهمت في صنع تاريخ البلدان في العالم ولا زالت، إلا أن كُتب التاريخ لم تذكر إلا قليلاً منهن فيما غفلت عن أخريات، الشيء ذاته ينطبق على المغرب، الذي عرف بروز شخصيات نسائية تركت بصمتها ونقشت اسمها بأحرف من ذهب في مختلف المحطات التاريخية التي مرّ منها المغرب ، من بين هذه الشخصيات نذكر :
كنزة الأوربية الإدريسية
تركت بصمة فعلية في تاريخ المغرب، وتسمى بكنزة الأوروبية نسبة إلى قبيلة أوربة الأمازيغية، وهي منطقة تدعى زرهون اليوم. كانت ابنة زعيم القبيلة إسحاق بن عبد الحميد الأوروبي، وزوجة المولى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب. قتل المولى إدريس بن عبد الله وهي كانت حاملا بابنها الأول، وعلى الرغم من وفاته، استمرت في إدارة شؤون البلاد والعباد بحزم وقوة حتى وضعت المولى إدريس الثاني.
تزوجها المولى إدريس الأول سنة 788 م، عندما هرب إلى المغرب خوفاً من أذى العباسيين، استقبلته قبيلة أوربة ودعمته فيما بعد لتأسيس الدولة، و زوجوه من كنزة التي كان لها دور كبير في إرساء قواعد دولة الأدارسة وتجلى ذلك من خلال إعداد ولدها إدريس الثاني مؤسس مدينة فاس لأجل تولي الحكم وتحمل عبء الدولة، حيث أجلسته على كرسي الحكم و هو طفل صغير لم يتجاوز الحادية عشر من عمره، وتقدم القوم لمبايعته على الرغم من سنه، فحكم البلاد بمساعدتها ومشورتها وقام بعدد كبير من الفتوحات، كما لديها موقف أخر لايقل أهمية، عندما تولى حفيدها محمد الحكم، قام إخوته بمنافسته وكادت تحدث فتنة كبيرة بين الاشقاء، لولا تدخل السيدة لحل لنزاع والفتنة بينهم، فاقتسم المغرب كما أشارت عليه واختص كل واحد منهم بإقليم، وبفضلها بقيت الدولة متماسكة قوية.
الزهراء الوطاسية حاكمة فاس
هي الزهراء المعروفة باسم زهور بنت منصور بن زيان الوطاسي، هي شقيقة أبي الحجاج يوسف الوطاسي. لعبت هذه السيدة دورا حاسما في نهاية فترة الدولة المرينية وبداية فترة الدولة الوطاسية في المغرب. بعد أن حكمت مدينة فاس لأكثر من سنة، خلال فترة حساسة وانتقالية بين الدولتين، حدثت تطورات سياسية كبيرة في المغرب الأقصى. هذا يعكس قوة وشجاعة هذه السيدة التي تولت القيادة في وقت تم وصفه بأنه صعب.
حافظت مدينة فاس على أمنها بحكمة وهدوء تامينا، على الرغم من المشاكل والفتن التي واجهتها قبل بداية الحكم الوطاسي. واستمر تسيير شؤون مدينة فاس بيدها، وكان المغرب يواجه أطماعا لا تعد ولا تحصى، خاصة بعد وجود العثمانيين في المغرب الوسط والأدنى والإيبيريين في البرتغال وإسبانيا. ومع ذلك، تمكنت مدينة فاس من الحفاظ على الحكم حتى تولى محمد الشيخ الوطاسي الحكم كأول ملك وطاسي في المغرب.
خناثة أول وزيرة في تاريخ الدولة المغربية
تعتبر هذه السيدة أول وزيرة في تاريخ المغرب، والدها هو الشيخ بكار بن علب بن عبدالله المغافري، حفظت القرآن في طفولتها ودرست العلوم الشرعية، حتى أصبحت فقيهة يشهد لها الجميع بالعلم و التدين، وهي زوجة السلطان العلوي المولى إسماعيل الذي حكم المغرب ما بين (1082 – 1139 هـ)، و لم تكن خناثة زوجته فحسب بل مستشارته و الناصح الأمين بالنسبة له، يرجع إليه لطلب المشورة السديدة في تسيير شؤون الحكم، تعتبر من أهم السيدات في ذلك العصر، نظراً لما كانت تتميز به من حكمة ودراية بأمور السياسة.
قامت بأدوار سياسية كبيرة في تاريخ المغرب، خاصة بعد وفاة زوجها المولى إسماعيل وخلال حكم ابنها المولى عبدالله، إذ ساندته في حكمه وكانت تمده بالنصائح لما يخدم مصالح الدولة، كما ساندت ابنها في الحصول على الحكم بعد وفاة المولى اسماعيل رغم التحديات و الأطماع، وفي عهد السلطان أبي الحسن الأعرج، دخلت خناثة السجن مع حفيدها محمد الذي حرصت على تعليمه و تكوينه، لكي يصبح في ما بعد هو السلطان الذي حافظ على البلاد و عزز العلاقات الخارجية، و توفيت خناثة سنة 1159 ودفنت بروضة الأشراف بفاس.
فاطمة الفهرية
فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية هي إحدى الشخصيات النسائية المهمة في تاريخ المغرب. وتلقب أيضا بأم البنين. والدها، الذي كان رجلا تونسيا عربيا من القيروان يدعى محمد بن عبد الله الفهري، كان ثريا جدا ولم يكن لديه سوى ابنتين، فاطمة ومريم. بعد وفاته، قررت أن تحتفظ بذكرى والدها عن طريق إعادة بناء مسجد القرويين الذي ورثته عنه. وقد قامت بتوسيعه بشراء الحقل المحيط به ودمج أرضه في المسجد. وقدمت الكثير من المال لاستكمال بنائه، وأصبح جامع القرويين أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في المغرب.
تُعَدُ جامعة القرويين أقدم جامعة في العالم العاملة حتى الآن وتضم أقدم مكتبة، ويبدو أن عائلة الفهري كانت لديها نفس الرؤية والمبادرات، حيث أسست مريم الفهري، شقيقة فاطمة، مسجد الأندلس في فاس أيضًا.
زينب النفزاوية زوجة مؤسس مراكش
تعتبر الأميرة زينب تانفزاويت، المعروفة أيضا باسم النفزاوية، من أشهر النساء الأمازيغيات في المغرب، وتنتمي إلى قبيلة هوارة الأمازيغية، حيث كانت مستشارة حكيمة لزوجها الذي يدين لها بانتصاراته، وتم إنشاء مدينة مراكش بسببها.
ولدت زينب النفزاوية سنة 1039 في قرية أغمات الصغيرة، كان والدها في غاية الثراء، قدم لابنته تعليمًا جيدًا، و هذا كان نادرًا بالنسبة للفتيات الصغيرات حينها، في وقت مبكر جدًا، أظهرت زينب ذكاءً عظيمًا و حكمة، و كانت أجمل و اذكي النساء في ذلك الوقت، هذه الصفات، بلا شك، جعلتها محط أنظار الجميع، ويقال إن زينب رفضت العديد من عروض الزواج ، قائلة أنها لا تريد شخصًا ليس لديه طموح في أن يصبح ملكًا للبلاد بأكملها.
تزوج يوسف بن علي زينب، وهو شيخ قبيلة وريكة، ثم تزوجها بعدها الأمير لقوط بن يوسف المغراوي، أمير أغمات الذي هرب وتركها وحدها بعد وفاته، عندما استولى المرابطون على هذه المنطقة في عام 1017 ميلادية. وبعد ذلك، تقدم الأمير المرابطي أبو بكر اللمتوني للزواج منها، لكنه طلقها بعد فترة وطلب منها أن تتزوج ابن عمه يوسف بن تاشفين بعد انتهاء فترة العدة، لأنه كان خليفته على بلاد المغرب، وأصبحت زينب زوجة للأمير الجديد للمرابطين يوسف بن تاشفين.
قدمت زينب كل الدعم الممكن ليوسف بن تاشفين وكانت سببًا في نجاحه وتفوقه، وعندما قرر اللمطوني العودة إلى المغرب، فكر في عزل يوسف بن تاشفين، ولكن باقتراح من زينب، تمكن من الحفاظ على الحكم، وكان يوسف بن تاشفين يذكر دائمًا فضل زينب عليه ويقول: “إنما فتح الله البلاد برأيها.
كان ذكاء ورجاحة عقل هذه السيدة سبباً في إنجاز الفتوحات وتثبيت دعائم الدولة، ولعبت دوراً مهماً في المشهد السياسي للدولة المرابطية، وتوفيت زينب عام 1117 ميلادي بعد مرور أحد عشر عاماً على وفاة زوجها.
فانو شهيدة المرابطين
لعبت هذه البطلة الشجاعة دورا كبيرا في الدفاع عن قصر الخلافة في مراكش بسيفها، ومنعت استسلام الأمير إسحاق بن علي المرابطي للموحدين بعد الحصار والخيانة، لكي لا يدخلوا مدينة مراكش. قاومت بشجاعة لا تضاهى لحماية قصر الحجر حتى استشهدت في عام 545 هـ. بعد وفاتها، دخلوا القصر وقاموا بتدنيسه وانتهاك حرمته بحضور المدينة وسكانها.
هناك العديد من الشخصيات النسائية التي تركت بصمة في مختلف العصور والأزمنة، وحصلت على التقدير والاحترام من الخصوم قبل الأقرباء حتى يومنا هذا.