سيرة ” فاطمة بنت محمد الفهري “
تعد فاطمة بنت محمد الفهري واحدة من أشهر النساء المسلمات العربيات في التاريخ، حيث كانت أول من أسست جامعة في التاريخ الإنساني، وهي من أصول قرشية ووالدها هو فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان عبد الرحمن بن نافع الفهري.
أصول فاطمة بن محمد الفهري
فاطمة بنت محمد الشهري تنحدر من عائلة عربية من قريش، وتعود نسبتها إلى الفاتح الإسلامي الكبير عقبة بن نافع الفهري القرشي الملقب بفاتح أفريقيا، حيث قاد جدها الجيوش الإسلامية التي فتحت تونس وأنشأ مدينة القيروان الشهيرة في تونس.
نشأة فاطمة بنت محمد الفهري
فاطمة بنت محمد الفهرية ولدت في عام 800 ميلادية في مدينة القيروان بتونس التي كانت تعرف باسم إفريقيا في ذلك الوقت، وانتقلت هي وعائلتها في وقت لاحق إلى مدينة فاس في المغرب، وكان والدها محمد بن عبد الله الفهري من علماء الدين المسلمين في ذلك الوقت.
والد فاطمة، محمد بن عبدالله الفهري، كان رجلا غنيا جدا وكان لديه ثروة هائلة. لم يكن لديه سوى ابنتين، فاطمة ومريم وقام بتربيتهما بأفضل طريقة ممكنة ولم يقصر في حقهما. عندما بلغتا سن الزواج، قام بتزويجهما. تزوجت فاطمة الفهرية في مدينة فاس بالمغرب وحصلت على لقب أم البنين بعد زواجها وإنجابها. بعد فترة من الزمن، توفي والد فاطمة وترك لهما ثروة كبيرة.
فاطمة بنت محمد الفهري وإنشاء جامع القرويين
أرادت فاطمة وأختها إنشاء صدقة جارية على روح والدهم المتوفي. بحثوا ووجدوا أن جامع القرويين صغير ولا يتسع للمصلين، فاشترت فاطمة الأرض المجاورة للمسجد وقاموا بتوسيعه وإعادة بنائه. صرفوا أموالا طائلة على بناء هذا المسجد، وكانت أم البنين فاطمة بنت محمد الفهري تصوم نفلا طوال فترة البناء. انتهى بناء وتوسعة مسجد القرويين في شهر رمضان عام 245 هجرية الموافق عام 859 ميلادية، وبلغت مساحته حوالي 1600 متر مربع بعد التوسعة.
أمرت السيدة فاطمة الفهرية بحفر بئر في الأرض التي اشترتها، لتوسيع المسجد، وأمرت بأن يستخدم هذا البئر لسقي عمال البناء واستخدام مياهه في أعمال البناء نفسها. كما أمرت بحفر الأرض الجديدة واستخراج الرمل والصخور المناسبة للبناء من باطنها. وشرفت السيدة فاطمة الفهرية بنفسها على بناء المسجد، الذي ظهر لنا بشكل جميل كأفضل ما يمكن. وكل ما استخدم في بناء المسجد من ماء ورمل وصخور، كان مستخرجا من الأرض التي اشترتها فاطمة لتوسيع المسجد.
كان جامع القرويين مميزا ببساطة زخرفته وتزيينه، ورغم عدم المبالغة في ذلك، كان المسجد أفضل ما يمكن في عصره. وأم البنين لم تبخل عليه بالمال للتوسعة والتجديد والتزيين.
وعلى الجانب الآخر قامت أم القاسم مريم بنت محمد الفهري أخت فاطمة بالإقتداء بأختها وقامت ببناء جامع الأندلس في نفس فترة بناء جامع القرويين، وكانت الأختان تتسمان بالزهد والورع لذا آثرا انفاق أموالهما في بناء بيوت الله صدقة جارية على روح والدهما، من أن ينفقا الأموال في ملذات الحياة الفانية.
فاطمة بنت محمد الفهري وجامعة القرويين
وفقا لما ورد في موسوعة غينيس، تحول جامع القرويين إلى أول جامعة في تاريخ البشرية. بدأ تحول دور المسجد إلى جامعة حوالي عام 877 ميلادية، أي قبل وفاة السيدة فاطمة الفهرية بعام واحد تماما. بدأ تدريس العلم في ساحات المسجد، حيث تجمع الطلاب حول مشايخهم لاستيعاب المعرفة منهم. ومع ذلك، بدأ تحول جامع القرويين الفعلي إلى جامعة في القرن الخامس الهجري، الذي يوازي القرن الحادي عشر الميلادي، وذلك خلال حكم دولة المرابطي.
توسعت جامعة القرويين بشكل كبير في القرن الرابع عشر الميلادي خلال فترة حكم الدولة المرينية، وكانت تدرس العديد من العلوم في جامعة القرويين، بما في ذلك علم الفقه وعلم الفلك وعلم الرياضيات وعلوم الأدب، وقام الحكام بإنشاء مدرسة جديدة حول جامعة القرويين لتوسيع نطاقها، ويذكر أن عدد تلك المدارس وصل إلى حوالي عشرين مدرسة.
فاطمة بنت محمد الفهري وإنشائها للمكتبات
أسست فاطمة بنت محمد الفهري إحدى أقدم المكتبات في العالم، وكانت تابعة لجامع القرويين وتمتد في حرم المسجد. في العصر الحديث، تحتوي المكتبة حاليا على أكثر من أربعة آلاف مخطوطة أصلية، بما في ذلك مخطوطات للقرآن الكريم ومخطوطات للحديث النبوي الشريف
وفاة فاطمة بنت محمد الفهري
بعد أن انتهت السيدة أم البنين فاطمة الفهرية من بناء جامع القرويين لمدة تسعة عشر عاما، انتقلت إلى جانب ربها في العام 265 هجرية الموافق 878 ميلادية، تاركة وراءها أثرا خالدا يجعل الناس يتذكرونها حتى يومنا هذا ويترحمون عليها. صدقت الله في نيتها ولم تختر الدنيا، بل اختارت الاقتراب من ربها، وكان هذا الجامع الذي تحول فيما بعد إلى جامعة من أشهر المعالم في تاريخ البشرية.