ثمة ما يدعوك للخشوع والتامل عندما تمشي في وادي قاديشيا ، فيتمتع هذا المكان بالسكون ، الصمت و الرهبة ، ويتميز بالصخور والجبال الشاهقة ، فيمزج بين الجمال والغموض ، و زاره الشاعر الفرنسي لامارتين وقال عنه : «لم يترك أي مشهد في نفسي انطباعا مماثلا، هذا المكان يجمع جمال الخطوط وعظمة القمم ودقة التفاصيل وتنوع الألوان».
يعتبر وادي قاديشيا واحدا من أعمق الوديان في لبنان، ويقع على بعد 121 كيلومترا شمال العاصمة اللبنانية بيروت. المعابده المنحوتة في الصخور تبدو وكأنها معلقة بين السماء والأرض. يقول الخوري حبيب خادم رعية الوادي: “الوادي ينقسم إلى قسمين، الأول هو وادي قاديشا، ويمتد حتى دير مار أنطونيوس قزحيا، ثم ينزل إلى الفراديس. والثاني هو وادي قنوبين، ويمتد من مدافن البطاركة الموارنة، صعودا حتى الكرسي البطريركي الجديد في الديمان.” ويضيف قائلا: “تتواجد الكهوف والمغاور بكثرة في وادي قنوبين، بالإضافة إلى المزارات ومحابس الرهبان والكنائس والأديرة.
تسمية وادي قاديشيا بهذا الاسم تعود للكنيسة المارونية المسيحية، وهو رمز للقداسة، كما ذكر الرحالة الأندلسي بن جبير أن هذا المكان كان وجهة اعتكاف للمسلمين أيضًا، ومن أهم معالمه:
كان المركز الكاثوليكي الوحيد في الشرق قبل القرن الثامن عشر.
يتم تحديد دير مار أنطونيوس قزحيا كموقع لأول صحافة مكتوبة في لبنان في القرن السادس عشر.
– ديرُ مار أليشا الشاهدُ على ولادةِ الرهبنةِ المارونيةِ اللبنانيةِ في عامِ 1695م
– موقع البطريركية المارونية منذ عام 1400م حتى 1790م.
يبلغ ارتفاع وادي قاديشيا حوالي 1500 متر عن البحر ، كما يصل عمقه إلى 500 متر ، ويتميز بالطرق الصخرية الصلبة الملونة بجميع الألوان ، بداية من اللون الأزرق للنهر و الأخضر الذي يكسو الجبال ، وحتى الأبيض الناتج عن السحب ، مما يجعل هذا المكان فائق الجمال كالأساطير ، ويمتلك هذا المكان ميراثا ثقافيا ودينيا يرجع إلى قديم العصور .
ينبع نهر قاديشيا من مغارة تقع عند قدمي أرز الرب في أعلى قمم جبال لبنان، ويجري في العمق. يمر النهر بمسقط رأس الشاعر جبران خليل جبران في بلدة بشري، ويصب في الوديان التي تتجمع فيها المياه، ثم يتجه عبر طرابلس إلى البحر، حيث يتغير اسمه إلى “أبي عل .
حظي وادي مقديشيا باهتمام عالمي، وتم إدراجه ضمن قائمة التراث الإنساني عام 1998 من قبل منظمة اليونسكو، وتم وضع صورته على غلاف مجلة صادرة في عام 2014 للمرة الأولى. لا تزال الأعمال الاستكشافية والبحثية مستمرة في هذه المنطقة لاكتشاف المحابس والمغاور. ويقوم متطوعون من “رابطة قنوبن للرسالة والتراث” بالبحث عن الروايات المروثة لأبناء الجوار والوادي التي تتحدث عن هذه المعالم وخصوصيتها .
أجمل صور لوادي قاديشيا :