سيرة و انجازات اول محامية مصرية ” نعيمة الأيوبي “
المرأة تشكل نصف المجتمع وتعتبر مربية للنصف الآخر في العديد من الأحيان، وقد سجل التاريخ العديد من إنجازات النساء عبر العصور سواء في العصور القديمة أو الحديثة أو المعاصرة، وقد احتلت المرأة معظم المجالات العلمية والمهنية المعروفة سواء في مجالات العلم والبحث مثل سميرة موسى وغيرها، أو في مجال القانون مثل نعيمة الأيوبي وغيرها، وهؤلاء النساء يعتبرن رموزا بارزة في تاريخ النساء، لذلك دعونا نتعرف في الأسطر التالية على واحدة من هؤلاء النساء المميزات في مجال المحاماة وهي نعيمة الأيوبي.
أول محامية مصرية وعربية في التاريخ
يقول البعض أن أول محامية عربية هي مفيدة عبدالرحمن، ولكن هذه المقولة غير صحيحة، حيث أن أول محامية عربية ومصرية هي المحامية نعيمة الأيوبي. استنادا إلى السجلات الرسمية، تعد نعيمة الأيوبي أول امرأة تسجل في نقابة المحامين، كما أنها أول امرأة ترتدي رداء المحاماة وتتواجد كمحامية في قاعات المحاكم. وتنتمي نعيمة الأيوبي إلى محافظة الإسكندرية، حيث هي ابنة المؤرخ إلياس الأيوبي. بدأت دراستها في مدرسة محرم بيك بالإسكندرية، حيث أكملت المرحلة الابتدائية، ثم انتقلت للدراسة في مدرسة الحلمية الجديدة بالقاهرة للحصول على الشهادة الثانوية.
تعليم نعيمة الأيوبي
تعد نعيمة الأيوبي واحدة من خمس نساء كن أول من التحقوا بالدراسة الجامعية في مصر. حيث التحقوا بجامعة القاهرة، المعروفة سابقا بجامعة فؤاد الأول، في عام 1929. لم تكن هذه الخطوة شائعة في ذلك الوقت حيث لم يكن من المألوف أن يلتحق النساء بالجامعة، ولكن الخمس نساء قررن المضي قدما رغم المخاطر التي يمكن أن يتعرضن لها. ولذلك، طلبن مساعدة الدكتور طه حسين الذي لم يتردد في تقديم يد العون لهن، ولكنه طلب منهن عدم الكشف عن هذا الأمر لتجنب المزيد من المخاطر.
لكي يحصلوا على الموافقة دون ضغوط، قرروا نعيمة الأيوبي وأصدقاؤها التوجه إلى أستاذهم الدكتور طه حسين للحصول على مساعدته في الالتحاق بالجامعة. ووعد طه حسين بالمساعدة شريطة الصمت حتى لا يتدخل الرأي العام ويفسد مساعيهم. ولم يتم الكشف عن هذا الأمر للصحافة إلا بعد صدور قرار الموافقة على التحاقهم بالجامعة، واستمرت نصيحة طه حسين قائمة حتى ذلك الحين
نجحت نعيمة الأيوبي في إسعاد وجه من ساعدها، إذ كانت من الطلاب المتفوقين دراسيا، وحققت المرتبة الثالثة عشرة في فصلها في الليسانس، على الرغم من إصابتها بمرض شديد قبل الامتحانات النهائية. وقد نجحت في النجاح الباهر وحصلت على المرتبة الأولى بتفوق مع مرتبة الشرف، حيث أصبحت أول خريجة من الجامعة المصرية في عام 1933، مما جعلها تتصدر العناوين والصحف الرائدة مثل صحيفة الأهرام وصحيفة العروسة، بما فيها صورها.
نعيمة الأيوبي والعمل بالمحاماة
لم يضيع نجاح نعيمة الأيوبي المتميز في الدراسة الجامعية، فقد بدأت تعمل في مجال المحاماة بعد انتهاء دراستها. وبذلك، أصبحت أول امرأة مصرية وعربية تمارس مهنة المحاماة وترتدي الروب الخاص بها في قاعات المحاكم بشكل محترف، وتم تسجيلها في نقابة المحامين. عملت الأستاذة نعيمة الأيوبي في مكتب المحامي حمد علي علوبة، وبعد هذه الخطوات الجريئة والفريدة، أصبحت نموذجا وقدوة تحتذى بها بعض الفتيات، بما في ذلك الأستاذة مفيدة عبد الرحمن والأستاذة عطية حسين الشافع.
لم تكن عملية دخول الأستاذة نعيمة الأيوبي إلى مجال المحاماة سهلة، حيث تضطرت أمها لخوض معركة من أجل تحقيق هذا الهدف، وقد كان الأستاذ عبد الله حسين المحامي هو الشخص الذي قدم لها الدعم الأول ودافع عنها وعن حقوق المرأة بشكل متكرر، وخلال تلك المعركة، رفعت الأيوبي قضية في محكمة الاستئناف لتسجيل اسمها في جدول المحامين العام.
أول قضايا نعيمة الأيوبي
أول جلسة نزلتها نعيمة الأيوبي في المحكمة كانت تدافع فيها عن ثلاث من رموز الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي آنذاك وهم فتحي رضوان، وأحمد حسين رئيس حركة مصر الفتاة، وحافظ محمود نقيب الصحفيين، وهي تمثل حركة جريئة أو حركة ذكية كما أنها تطبيق واضح وصريح للشعار الذي كانت تتحرك من منطلقه الأيوبي في ممارسة مهنتها وهو (إنني لن أترافع إلا في قضايا المظلومين لانتصف لهم من الظالمين، وسأخصص حياتي لخدمة المهنة التي شغفت بها منذ كنت طفلة، ومنذ رأيت عمي محاميًا يفخر برداء المحاماة على أي شيء آخر في الحياة ).
نعيمة الأيوبي لم تختر مهنة المحاماة بدون سبب؛ فكلماتها توضح أنها اتبعت نموذج عمها، الذي زرع فيها حب المهنة والفخر بها. تمثل الأيوبي قدوة للجميع، سواء كانوا نساء أم رجالا، لتبرز أهمية الجد والسعي نحو تحقيق الأهداف والعمل الجاد لتحقيقها في أي ظروف. ليس هناك شيء أصعب مما يمكن أن تواجهه امرأة في هذا العصر من أجل انتهاض مهنة كانت محصورة بالرجال، ولكنها استطاعت تحقيق النجاح فيها.