اسلامياتالقران الكريم

سبب نزول ” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات “

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور: 55]

سبب نزول الآية:
يقول ابن كثير: قال أبو العالية في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}: قال: كان النبي صل الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحواً من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له سراً، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال، حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموها، فأمرهم الله بالقتال، فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ما شاء الله، ثم إن رجلاً من الصحابة قال: يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : «لن تصبروا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليست فيه حديدة» وأنزل الله هذه الآية فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا السلاح، وقال البراء بن عازب: نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد.

تفسير الآية ابن كثير:
هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم، وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة، ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، فنسأل الله الإيمان به وبرسوله، والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا.

روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما يزال أمر الناس ماضيا ما ولي لهم اثنا عشر رجلا»، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عني، فسألت أبي ماذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «كلهم من قريش»، وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادلا، وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر، فإن كثيرا من أولئك لم يكن لهم من الأمر شيء؛ فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش يلون فيعدلون، وقد وقعت البشرى بهم في الكتب المتقدمة، ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعا ومتفرقا.

 وجد أربعة منهم على التوالي: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضوان الله عليهم. ثم طالت فترة من دونهم، ثم ظهر بعضهم بمشيئة الله، ومنهم من بقي في الوقت الذي علمه الله تعالى، ومن بينهم المهدي الذي يحمل اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيته، وسيملأ الأرض بالعدل والإنصاف، كما ملئت بالظلم والجور. وقد روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: `تكون الخلافة بعدي ثلاثين سنة، ثم تأتي ملكا عضوضا.` [أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي].

وقال أبو العالية في قوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات أنه سيجعلهم خلفاء في الأرض. فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب وآمنوا به ووضعوا السلاح، ثم قبض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، فكانوا آمنين في حكم أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا فيه، فأصابهم الخوف، فاتخذوا الحجزة والشرط وغيروا فغير بهم، وقال البراء بن عازب: “نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد، وهذه الآية الكريمة مثل قوله تعالى: “واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض”. [الأنفال: 26].

وقوله تعالى: وكما قال الذين من قبلهم، تقول الآية الكريمة عن موسى عليه السلام إنه قال لقومه “عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض”، وتقول أيضا “ونريد أن نمنح الذين استضعفوا في الأرض”، وتقول كذلك “وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم”، وكما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم “أتعرف الحيرة؟” فقال “لم أعرفها، ولكن سمعت بها” فقال الرسول “والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة، وحتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز” فقال الرجل “كسرى بن هرمز؟” فقال الرسول “نعم، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد.

 قال عدي بن حاتم: هذه الظعينة تخرج من الحيرة وتطوف بالبيت بدون أن تكون بجوار أحد. ولقد كنت من الذين فتحوا كنوز كسرى بن هرمز. وأقسم بنفسي أن تكون الثالثة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها. وقال الإمام أحمد عن أبي بن كعب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: `بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض. فمن عمل منهم عملا للدنيا وليس للآخرة، فليس له نصيب في الآخرة.

 وقوله تعالى: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا}: وفي الحديث: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «هل تدري ما حق الله على العباد؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» [الحديث من رواية الشيخين عن معاذ بن جبل]، وقوله تعالى: {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}: أي من خرج عن طاعتي بعد ذلك، فإنه يكون فاسقا، فمن خرج عن أمر ربه فقد ارتكب ذنبا عظيما. فالصحابة – رضي الله عنهم – كانوا أقوم الناس بأمر الله عز وجل، وأكثرهم طاعة لله، وكان نصرهم متوافقا مع اتباعهم له. أظهروا كلمة الله في كل مكان، وحموا بقوة عظيمة، وحكموا في جميع العباد والبلاد.

ولما قصّر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهروهم بحسبهم، ولكن قد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة – وفي رواية حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» وفي رواية «حتى يقاتلوا الدجال» وفي رواية «حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون» وكلها صحيحة ولا تعارض بينها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى