سبب نزول ” الذين جعلوا القرآن عضين “
{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الحجر: 89-93]
سبب نزول الذين جعلوا القرآن عضين:
عن ابن عباس: إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا شرف فيهم، وقد حضر الموسم، فقال لهم يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قولكم بعضه بعضاً، فقالوا: وأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به، قال: بل أنتم قولوا لأسمع، قالوا: نقول كاهن، قال: ما هو بكاهن، قالوا: فنقول مجنون، قال: ما هو بمجنون، قالوا: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر، قالوا: فماذا تقول؟ قال: واللّه إن لقوله لحلاوة فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول أن تقولوا: هو ساحر، فتفرقوا عنه بذلك، وأنزل اللّه فيهم: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ} أصنافاً
من هم المقتسمين ؟
المقتسمين هم المتحالفين، الذين تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم، كقوله تعالى إخباراً عن قوم صالح إنهم: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النمل:49]، أي نقتلهم ليلاً، قال مجاهد: تقاسموا وتحالفوا {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل:38]، {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} [الأعراف:49] فكأنهم لا يكذبون بشيء من الدنيا إلا أقسموا عليه فسموا مقتسمين.
قال عبد الرحمن بن زيد: المقتسمون هم أصحاب صالح الذين قسموا بالله أن ينبتنا وأهلنا. وفي الصحيحين، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: `إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه وقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فاحذروا النجاة، فأطاعه طائفة من قومه وأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبه طائفة منهم فأصابهم الجيش وهلكوا واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به من الحق`.
تفسير الآيات:
{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ}: يأمر تعالى نبيّه صل اللّه عليه وسلم أن يقول للناس {إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} البين النذارة، نذير للناس من عذاب أليم، كما حل بمن تقدمهم من الأمم المكذبة لرسلها، وما أنزل اللّه عليهم من العذاب والانتقام، وقوله: {الْمُقْتَسِمِينَ}: أي المتحالفين، أي تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم
وقوله: يعني `الذين جعلوا القرآن عضين`: أي قسموا كتبهم ولم يؤمنوا بها كلها، فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها، وقال ابن عباس: `الذين جعلوا القرآن عضين`، أي أهل الكتاب الذين قسموا الكتاب وآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، وروي عن مجاهد والحسن والضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير نحو ذلك .
وقال عكرمة: العضة هي السحر الذي ينطق به قريش، ويقول للساحرة: إنها العاضة، وقال مجاهد: يقولون عضوه هو سحر، ويقولون إنه كاهن، ويقولون إنهم يتحدثون عن أساطير الأولين، ويقول عطاء: يقول بعضهم إنه ساحر، ويقولون إنه مجنون، ويقولون إنه كاهن. هؤلاء هم الذين قالوا هذا لرسول الله، ويقول ابن عمر في قوله: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}: يقولون لا إله إلا الله. ويقول أنس بن مالك في حديثه مع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فوربك لنسألنهم أجمعين}: يقولون لا إله إلا الله. تم نقل هذا الحديث عن الترمذي.
وقال ابن مسعود: وما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، ويخلو به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ما عملت فيما علمت؟ يا ابن آدم ما أجبت المرسلين؟” وقال أبو جعفر، عن أبي العالية في قوله: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} قال: يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة: عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين، وقال ابن عيينة: عن عملك وعن مالك، وقال ابن أبي حاتم.
عن معاذ بن جبل قال، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `يا معاذ، إن المرء سيسأل يوم القيامة عن كل ما سعى فيه، حتى النظرة الطيبة، وعن فتات التراب التي لمسها بإصبعه، فلا أجدك في ذلك اليوم وحدك، ولكن سيكون هناك غيرك مسرورا بما أعطاك الله منك.` وقال ابن عباس في قوله: `فوربك لنسألنهم جميعا عن أعمالهم التي قاموا بها`، ثم قال: `في ذلك اليوم لا يسأل الإنسان ولا الجني عن خطيئته` [الرحمن: 39]. قال: لن يسألهم `هل عملتم كذا وكذا؟` لأنه يعلم ذلك عنهم، ولكن سيقول `لماذا عملتم كذا وكذا؟`.