سبب نزول الآية ” إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان “
من يرتد عن الإيمان بالله بعد أن آمن به، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن الذين يتسعون للكفر في قلوبهم، فعليهم غضب من الله وينالهم عذاب عظيم. ذلك بسبب أنهم يفضلون الحياة الدنيا على الآخرة، وأن الله لا يهدي القوم الكافرين. هؤلاء الذين ختم الله قلوبهم وسد عليهم سمعهم وأبصارهم، وهم الغافلون. لا شك أنهم هم الخاسرون في الآخرة.” [سورة النحل: 106-109]
سبب نزول الآية:
وقد روي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صل اللّه عليه وسلم، فوافقهم على ذلك مكرهاً، وجاء معتذراً إلى النبي صل اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه هذه الآية.
وقال ابن جرير: اعتقل المشركون عمار بن ياسر وعذبوه حتى توفي، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن حاله، فأجابه بالثقة بالإيمان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “إن عادوا فعد،
في هذا العدد، تمت سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بشكل إيجابي. وقد تمت شكوى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله: `ما هو رأيك؟` فأجاب بثقة: `قلبي مطمئن بالإيمان`. فقال له: `إذا عادوا فليعدوا`. وفي هذا السياق، أنزل الله قوله: `إلا من اضطر وقلبه مطمئن بالإيمان`
تفسير الآيات:
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}: أخبر الله تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر وشرح صدره بالكفر، واطمأن به، أنه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه، وأن لهم عذاباً عظيماً في الدار الآخرة، لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا، ولم يهد اللّه قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق، فطبع على قلوبهم، فهم لا يعقلون بها شيئاً ينفعهم، {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}: وختم على سمعهم وأبصارهم فلا ينتفعون بها، فهم غافلون عما يراد بهم.
{لَا جَرَمَ}: صفتهم في الآخرة أنهم الخاسرون؛ أي من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم في يوم القيامة. أما قوله: “إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان” فهو استثناء لمن كفر بلسانه ولكن قلبه مطمئن بالإيمان بالله ورسوله، ووافق المشركين بلفظه مكرها لما تعرض له من ضرب وأذى.
حكم المكره على الكفر ؟
يقل ابن كثير: اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يمكنه أن يظل متمسكا بمعتقداته، ويحق له أن يرفض الانقياد إلى مطالبهم، تماما كما فعل بلال رضي الله عنه عندما رفض طلبهم، حيث قاموا بوضع صخرة ضخمة على صدره في ظروف حارة جدا، وأمروه بالتوحيد ولكنه رفض وهو يصرخ: `أحد، أحد` ويقول: `والله لو علمت كلمة أعظم ضررا بكم منها، لقلتها`. رضي الله عنه وأرضاه. وكذلك حدث مع حبيب بن زيد الأنصاري عندما سأله مسيلمة الكذاب: `هل تشهد أن محمدا رسول الله؟` فأجاب: `نعم`، ثم سأله: `هل تشهد أني رسول الله؟` فأجاب: `لا أسمع`. وظل مستقيما على ذلك. والأفضل والأولى أن يظل المسلم مستقيما على دينه، حتى لو تعرض للقتل.
وفقا لما ذكر في ترجمة الحافظ عن عبد الله بن حذافة السهمي، أحد الصحابة، أنه أسر من قبل الروم. وتمت إحضاره إلى ملكهم، فقال له الملك: إن اعتنقت النصرانية، سأمنحك ملكي وأزوجك ابنتي. فرد عليه قائلا: لو أعطيتني كل ما تملك، وكل ما يملكه العرب، مقابل الابتعاد عن دين محمد صلى الله عليه وسلم، لما فعلت ذلك حتى لو لم يمر أكثر من لحظة. فرد الملك قائلا: إذا سأقتلك. فأجابه الرجل قائلا: أنت وتلك الأمور. فأمر الملك بصلبه، وأمر الرماة بقربهم ورميه بالحجارة على يديه ورجليه، وهو يعرض عليه دين النصرانية، لكنه رفض. ثم أمر الملك بإنزاله، ثم أمر بقدر من النحاس، ووضعه على النار وهو يشاهده. ثم جاء بأسير من المسلمين وألقاه في القدر وهو يراقب، وإذا به يرى عظاما تظهر. وعرض عليه مرة أخرى ولكنه رفض. فأمر بأن يلقى في القدر، وعندما رفع ليرمى فيه، بكى. فأشفق عليه الملك ودعاه، فقال له: إنما بكيت لأن نفسي، إنها نفس واحدة تعاني في هذا العذاب من أجل الله. فأحببت أن يكون لي عدد الشعيرات في جسدي نفس تتألم بهذا العذاب في هذه القدرة.
وفي بعض الروايات: سجنه ومنعه من الطعام والشراب لعدة أيام، ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير، ولكنه لم يقربه، ثم استدعي، فسأله: لماذا لم تأكل؟ فأجاب: قد حل لي، ولكن لم أكن لأشمتك بي، فقال الملك له: اقبل رأسي، وأنا أطلقك، فقال: أطلق معي جميع أسرى المسلمين، فقال الملك: نعم، فاقبل رأسه وأطلقه، وأطلق معه جميع أسرى المسلمين الذين كانوا عنده، فعندما عاد، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يجب على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة أولا، فقام وقبل رأسه ورضي الله عنهما.