دور الحرب الأهلية والخيانة في غزو محمد بن نور لعمان
عادة ما تكون الحروب الأهلية أو ما يعرف بالتناحر الداخلي أحد الأسباب التي تزيد من الطموحات الخارجية في أي بلد. فكما معروف في التاريخ الإنساني، تؤدي الحروب والفتن الداخلية داخل أي بلد إلى هدم مكتسباتها وتضعفها بشكل قوي، مما يسهل فيما بعد اجتياحها من الخارج .
تحتوي تاريخ عمان، كتاريخ العديد من الدول الأخرى، على صفحات حزينة ومؤلمة، حيث شهدت الحرب الأهلية والخيانة دورا كبيرا في عدم نجاح غزو عمان، وسوف نستعرض في هذه المقالة إحدى هذه الصفحات، وهي غزو عامل العباسيين محمد بن نور لعمان، والجرائم والفظائع التي ارتكبت في حق العمانيين بجميع طوائفهم وأعمارهم، كنتيجة أساسية للحروب واللجوء إلى الخارج والاستعانة بالآخرين .
دور الحرب الأهلية والخيانة في غزو محمد بن نور لعمان :- تعرضت عمان لعدة حروب أهلية مؤلمة، خاصة بعد عزل الإمام الصلت بن مالك، مما أدى إلى ضعف العمانيين ومقتل الكثير منهم في هذه الفتنة. بدأت تلك الفتنة الداخلية العمانية بالتحديد بعد موقعة اذكى ومقتل موسى بن موسى الأذكوي الذي كان السبب الرئيسي في نشوب الفتنة، واندلعت موقعة حرب القاع مباشرة بعد موقعة أذكى.
و الذي كان في الأساس أيضاً سبب نشوب الفتنة العمانية بعزلة الإمام الصلت بن مالك مما تتسبب في تناخر ، و تنازع العمانيون بتعصب قبلي ، و سياسي ، و لقد خرجت العديد من الشخصيات المناصرة لموسى بن موسى للثأر له من الإمام عزان بن تميم المتسبب في مقتله فدارت معركة حربية شرسة فيما بين الجيشين انتصر فيها مرة أخرى الإمام عزان بن تميم مع مقتل الكثيرين من قادة جيش الثوار ، و هروب أحدهم ، و هو محمد بن القاسم السامي.
بالإضافة إلى بشير بن المنذر، تمكنوا من اللجوء إلى البريمي، ومن خلالها ذهبوا مباشرة إلى البحرين، وتحديدًا إلى الوالي العباسي محمد بن نور، وطالبوا بالتدخل لنصرتهم في عمان، من خلال غزوها والقضاء على خصومهم السياسيين .
سبب اختيار محمد بن القاسم السامي وبشير بن المنذر للبحرين كمكانا للجوء:- يعود سبب اختيار محمد بن القاسم السامي وبشير بن المنذر للجوء إلى تلك العلاقات التاريخية القديمة بين عمان والبحرين، حيث كانتا عادة ما تشكلان كتلة واحدة من ناحية التقسيم الإداري بالنسبة للخلافة الإسلامية، ولذلك كانا يثقان بشدة في الحصول على دعم الوالي العباسي محمد بن نور لغزو الأراضي العمانية، وبالتالي القضاء على منافسيهم السياسيين على السلطة والإمامة .
و بالفعل بمجرد وصول محمد بن القاسم ، و بشير بن المنذر للبحرين إلا ، و استقبلهما الوالي العباس محمد بن نور مستغلاً هذا النزاع العماني الداخلي في غزو الأراضي العمانية ، و لذلك اقترح الوالي العباس على محمد بن القاسم ضرورة السفر إلى بغداد لاستئذان الخليفة العباس لواليه محمد بن نور بغزو عمان ، و بسط النفوذ العباس بها .
بداية الغزو لعمان :- – عندما صدر أمر الخليفة بتجهيز جيش مؤلف من 25 ألف مقاتل كاملي العتاد، سارع محمد بن نور فورا للبدء في التجهيزات. وبمجرد وصول الخبر إلى أهل عمان، حدث انقسام داخلي بينهم بدلا من التوحد، ولم يتمكنوا من الوقوف يدا واحدة ضد الغزو العباسي .
وتؤكد المصادر التاريخية أن تجهيز الحملة العسكرية استغرق وقتا طويلا قدره خمسة أشهر. تم تقسيمها إلى قسمين، حيث جاء القسم الأول من البصرة عبر البحر، والقسم الثاني جاء عبر الإحساء بقيادة محمد بن نور. ومرت الفرقتان في أبو ظبي ومن ثم البريمي للالتحاق ببعضهما هناك، بعد أن استولى الجيش العباسي على جلفار. وعلى الرغم من المقاومة الشجاعة في البريمي .
ثم توجه محمد بن نور بجيشه إلى نزوى، التي كانت عاصمة الإمامة العمانية، وقلب عمان النابغة بعد أن استطاع إغراء القبائل النزارية للمشاركة في المعركة ضد غزان بن تميم، الذي فقد الكثير من الأنصار بعد معركة أزكي، وتعرض أهالي عمان لإجهاد بسبب الحروب الأهلية التي استمرت لمدة 7 سنوات، وقد قتل الآلاف من العمانيين.
ولهذا السبب، خرج الإمام إلى منطقة سمد ليلمس النصرة من القبائل اليمانية الموجودة في المنطقة الشرقية، في الوقت الذي تمكن فيه محمد بن نوربجيشة من احتلال نزوى، وتقتيل أهلها، ومن ثم كان توجهه إلى سمد علاقة الإمام عزان بن تميم، وبالفعل تم له ما أراد، وقتل الإمام، وقطع رأسه، وبعث بها إلى الخليفة العباسي المعتضد كدليل على الانتصار معلنا بذلك سقوط الإمامة في عمان، وخضوعها لسلطة الدولة العباسية كنتيجة للحروب الأهلية، وللخيانة الداخلية .