حديث ” فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة “
عن عدي بن حاتم قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءني رجلان، أحدهما يشكو من مشاكل عائلته، والآخر يشكو من قطع الطريق، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “أما قطع الطريق فإنه لا يأتي عليك إلا قليلا، حتى يصل الوقت الذي يخرج فيه القافلة إلى مكة دون أن يواجهوا أي مشاكل، وأما مشاكل العائلة فلا يمكن تفاديها، فالساعة لن تقوم حتى يتصدق أحدكم بما يجد، ولكنه لن يجد من يقبل صدقته، ثم يقف أحدكم بين يدي الله، ولا يوجد بينه وبين الله حاجز أو مترجم، ثم يقال له: ألم أعطك مالا؟ فيقول: بلى، ثم يقال له: ألم يرسل إليك رسول الله؟ فيقول: بلى، ثم ينظر يمينه فيجد النار، ثم ينظر شماله فيجد النار، فليتقي النار أحدكم، ولو بتمرة، فإن لم يجد فليتلفت بكلمة طيبة.
معاني المفردات التي وردت بالحديث:
قطع السبيل: يقصد به مهاجمة اللصوص في الطريق. العيلة: الفقر والفاقة.
العير: الإبل المحملة بالتجارة. خفير: المجير الذي يكون الناس في ضمانه وذمته.
يطوف: يدور. حجاب: حاجز يحجب عنا مشاهدته سبحانه وتعالى.
ترجمان: هو من ينقل الكلام من لغة إلى لغة أخرى. فليتقين: أي فليحفظ نفسه.
بشق: أي بنصف. كلمة طيبة: أي كلمة يرد بها السائل ويطيب قلبه.
شرح الحديث:
جاء الحديث الشريف في فضل الصدقة والحث عليها فعندما جاء الرجلان إلى رسول الله صل الله عليه وسلم كان يشتكيان من أمور تعيقهم في حياتهم فأحدهم يشتكي الفقر والحاجة، والآخر يشتكي اللصوص وقطاع الطريق، فأجابهم رسول الله صل الله عليه وسلم أن الذي يخشى قطاع الطرق، في وقت قصير سوف يتحقق له الأمان ولن تخرج أي قافلة بعدها حتى يكون معها الحرس كما أن انتشار الإسلام ساعد على الحد من هذه الظاهرة بالقدر الكبير.
وبالنسبة لمن يشكون من الفقر والحاجة، فإن رسول الله يؤكد لهم أن الله جعل ثواب الصدقة كبيرا لتحفيز المسلمين على التكافل والعطاء. كما يروي لهم أحداث يوم القيامة، والتي يمكن أن تنقذهم الصدقة فيها، عندما يقف العبد أمام ربه وليس هناك عائق بينهما، ويسأله الله تعالى “ألم أعطك مالا؟” والمعنى هو المال الذي أنفقوه، ثم يقول “ألم أرسل إليك رسولا؟” والمعنى هو اتباع الرسول. ثم ينظر العبد يمينه وشماله ولا يرى سوى النار.
يحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ويبلغهم بأن الصدقة هي النجاة من هذا الموقف العظيم والشديد على النفس، حتى لو كانت صدقة بسيطة مثل نصف تمرة. فلتعلم يا أخي المسلم أن أول أمنية يتمناها العاصي عندما يدخل النار هي أن يعود إلى الدنيا أو يؤخر في موته حتى يتصدق. وفي هذا الأمر قال الله تعالى: {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلىٰ أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} [سورة المنافقون: 10]. وإذا لم يجد المرء ما يتصدق به، فلا يرد السائل إلا بكلمة طيبة، فإن الكلمة الطيبة هي الصدق.