تقرير مفصل عن ” جراد الدبا “
يتكون جسم الجراد من رأس وصدر وبطن، حيث يغطي الرأس طبقة سميكة من الجليد المتصلب تسمى `علبة الرأس`، ويحتوي على العيون المركبة والعيون البسيطة وأجهزة الاستشعار وأجزاء الفم القاضمة .
وعلبة الرأس تتكون من مساحات تفصلها عن بعضها البعض حزور أو دروز ، وهي الجبة والدرقة والجداريات والوجنة، وأما الصدر فيتصل بالرأس عن طريق العنق، ويتكون من ثلاث عقل أو شدف، تحمل كل منها زوجاً من الأرجل المجهرية للمشي والوثب العال، أما الشدفة الصدرية الثانية والشدفة الصدرية الثالثة فيحمل كل منها زوجاً من الأجنحة الغشائية الواسعة المساحة، وهي التي تتصل بالصدر عن طريق دواعم، ويتحرك الجناحان بعضلات قوية ترفرف بقوة تمكن الجراد من الطيران لمسافات طويلة تقطع خلالها مسافات شاسعة.
دورة حياة الجراد
يتكاثر الجراد في أجيال متعاقبة، وعادة ما يبدأ الجيل بوضع البيض وينتهي بوضع البيض من قبل الإناث البالغة لإنتاج جيل جديد لاحق، ومن المعروف أن البيض الموضوع يفقس ليخرج منه حوريات (نمف)، ويسميها الجاحظ والدميري وغيرهما “دبا” أو “دبى”، وهذه الحوريات تضطر إلى إجراء عمليات التسلخ حتى يتمكنوا من النمو والزيادة في الحجم، والوصول إلى المرحلة الشبابية في حياتهم، وهذه العملية الشاملة تسمى “التحول” (التحول الشكلي).
خطورة الجراد
تكمن خطورة الجراد الصحراوي في قدرته على التنقل والهجرة والطيران عبر مسافات شاسعة، وكذلك في قدرته على التكاثر في أجواء مختلفة. ينتشر في مناطق تحتوي على 64 دولة، تشمل معظم دول إفريقيا على طول خط الاستواء، وتشمل في آسيا شبه الجزيرة العربية وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان والهند، بالإضافة إلى الحدود المجاورة لأفغانستان وإيران وتركيا في ما كان يعرف سابقا بـ “الاتحاد السوفيتي .
هجمات جراد الدبا على الكويت
سجلت حالات وصول الجراد إلى الكويت في سنوات متفاوتة وأشهر مختلفة، ومن بين هذه الحالات تم تسجيل غزو الجراد الصغير (الدبا) في مايو 1890 الموافق لعام 1307، وذكر هذا الحدث الشيخ المرحوم عبدالعزيز الرشيد في كتابه “تاريخ الكويت” الطبعة الثانية، الصفحة 96، ونقل قصيدة للشيخ خالد العدساني وهي:
الله اكبر كيف القمل الضعفا
آذى الأنام ومنه الزرع قد تلفا
وصير الأرض لا نبات بها
كأنه لم يكن فيها وما عرفا
قد جاء كالسيل يعدو ليس يمنعه
شيء فما مل من شيء وما وقفا
حتى اتانا فعمتنا بليته
وقد كسا الارض توبا منه مختلفا
فلم نر طرقا الا وقد ملئت
ولا جدارا ولا سقفا ولا غرفا
واصبحت جملة الآبار منتنة
كأن في جوفها من ريحه جيفا
وكل طفل له من أهله حرس
يحمونه يقظة منه وحين غفا
واشتد أمر الورى من عظم كثرته
ومن اذاه وما ظنوه منصرفا
فقال كل اما والله ذا سخط
قد اوجبته معاصينا فوا اسفا
أتى لعشر من الشهر الشريف خلت
مع ليلتين وبعد الضعف قد ضعفا
وكان في سنة السبع التي وقعت
بعد الثلاث قد جاوزت الفا
فالحمد لله والشكر الجميل له
في كل حال فمولانا بنا لطفا
في هذه السنة (1890) التي أصاب بها الدبا او الجراد الصغير البلد كما ذكرنا سابقا ، حيث تناولها المرحوم خالد العدساني الذي كان من ضمن من أصابهم هذا الدبا وأكل مزرعته وتركها يباب محمد سليمان العبيدي ابن موضي العبيدي. وقد سجل محمد العبيدي هذا الحدث بقصيدته التي لم تشتهر ولم تعرف مثل قصيدة الشيخ العدساني
يقول محمد :
هني منهو في عداد البلابيل
ما يشغله بالدلال الحوامي
هذا افرقه وهذا تفضيل
واقلطها للرجال النشامي
زرعن قطعني من كثير المحاصيل
كلها الدبي وادعى ورقها رامي
ما سرني اصياحي وكثر المخاييل
طول الليل واقف واحامي.
في الماضي وقبل ظهور وسائل (الرش) البخاري على الجراد والمواد الكيماوية لإبادة هذه الحشرة ، الجراد كان يصل إلى الكويت أسراب كثيرة وعندما تنظر إلى السماء تجد فوقك ظلمة لكثرة الجراد الطائر الذي غطى ضوء الشمس، وكانت الكويت ، تفرح بقدومه لأنه لا يوجد في الكويت زرع بمعنى الكلمة الذي يخشى عليه، ولهذا يتوجه كثير من الكويتيين إلى خارج المدينة ليلا، وهم يحملون الأكياس من الخيش، وكانت كل مجموعة تحفر أخدودا في الأرض ومن ثم يتكوم الجراد في هذه الحفر، بعدها يجمعونه ويحملونه إلى البيوت للسلق ومن ثم يقومون بنشره فوق السطوح ليخزن فيما بعد في صناديق خشب أو جرار أو اكياس.
في هذا الجراد، يوجد نوعٌ يسمى (المكن) وهو الأنثى الممتلئة من العشب، ويوجد المحاح الأصفر في ذيلها الذي هوالمادة المغذية والمفيدة، ويقوم بعض الناس ببيعها مسلوقة في الأسواق.
جعل الله الجراد رحمة لأهل الكويت، حيث يعتبر مادة مجانية للأكل ولا يسبب ضررًا، ولكن اليوم بعد رش السموم، أصبح الجراد عرضة لإصابة الإنسان بمضاعفات من السم الذي يحمله في جوفه.
كانت اسراب الجراد إذا انطلقت تطير، حتى لو كانت فوق البحر، فالجراد الذي في الأسفل وقت الطيران يحمي الجراد الذي في الأعلى، حتى يتعب الجراد السفلي وينتهي، ثم يتابع الجراد العلوي حتى ينتهي ويصل إلى الجراد الذي فوقه وهكذا كانت إرادة الله. وقد وصل الجراد إلى الكويت في سنوات متفاوتة، وصل في سنة 1964، ولكن في سنة 1944، أي بعد الحرب العالمية الثانية، صور العاملون الأميركيون في المستشفى الأميركي هذا الجراد قرب المستشفى بالأبيض والأسود، ثم تحولت هذه الصور إلى ملونة، وعندما ترى هذه الصور، ترى منظرا غير طبيعي للجراد، حيث غطى الجراد الأرض بأكملها لدرجة أنه إذا كانت هناك أراض مزروعة في الكويت في تلك الحقبة، ربما قضى الجراد عليها.
هناك اليوم فرق دولية تتعقب حركة الجراد في جميع أنحاء العالم من أفريقيا إلى آسيا وحتى الجزيرة العربية. تقوم هذه الفرق برش السموم على أسراب الجراد وأفراسها لتدميرها. بعد تكون البيض داخل الجرادة وتغرس ذيلها في التربة، تفرغ هذه البيوض ويفقس الدودة بعد فترة قصيرة وتصبح جرادة صغيرة تعيش على الأرض لبضعة أسابيع قبل أن تتحول إلى جرادة ناضجة وتتبع دور أمها السابقة.
تتألف الجراد من مئات البيض التي تصبح دبا، وتحملها الأنثى في ذيلها، وتتحول هذه البيضات إلى جراد بعد ذلك، وتختلف ألوان الجراد حسب منطقة وجوده، فالجراد في جنوب آسيا أحمر، وفي العالم العربي بني، وفي أفريقيا يميل إلى الرمادي، وسبحان الله في هذه الحشرة الصغيرة.
تم انقطاع الجراد عن الكويت منذ عام 1964 بفضل جهود المكافحة، وتنتشر الآن الأخبار عن وجود الجراد في مناطق النعيرية والصمان في المملكة العربية السعودية، ومن المتوقع أن يصل إلى الكويت .