تفسير ” واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون “
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [سورة يس: 13-19]
تفسير الآيات:
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}: عن ابن عباس، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه: أنها مدينة أنطاكية وكان بها ملك يقال له انطيخس وكان يعبد الأصنام، فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل، وهم: صادق وصادوق وشلوم، فكذبهم {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا}: أي بادروهما بالتكذيب، {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ}: أي قويناهم وشددنا أزرهما برسول ثالث، وعن شعيب الجبائي قال: كان اسم الرسولين هما شمعون ويوحنا، واسم القرية أنطاكية، {فَقَالُوا}: أي لأهل تلك القرية، {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}: أي من ربكم الذي خلقكم، نأمركم بعبادته وحده لا شريك له.
{ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}: فكيف أوحى إليكم وأنتم بشر ونحن بشر؟ لماذا لا يوحى لنا مثلكم؟ ولو كنتم رسلا لكنتم ملائكة. وهذا يشبه كثيرا الأمم المكذبة، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله: `ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا` [سورة التغابن: 6]. فاستغربوا من ذلك وانكروه، وقالوا: `إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين` [سورة إبراهيم: 10]. وحكاية أخرى عنهم تقول: `ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون` [سورة المؤمنون: 34]. `وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا` [سورة الإسراء: 94].
لهذا قال هؤلاء: : يقولون: “أنتم إلا بشر مثلنا، وما أنزل الرحمن من شيء، فإنما أنتم تكذبون”. يقولون: “ربنا يعلم أنا إليكم رسل، ولو كذبنا عليه لانتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم، وستعلمون من يكون الخاسر في الآخرة”. كما قال تعالى: “قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون” [سورة العنكبوت: 52]. ويقولون: “ما علينا إلا البلاغ المبين، فإن أطعتم فلكم السعادة في الدنيا والآخرة، وإن لم تجيبوا فستعلمون نتيجة ذلك.
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}: قال لهم أهل القرية: لم نر على وجوهكم خيرا في عيشنا، وقال قتادة: يقولون إن أصابنا شرا فهو من أجلكم، وقال مجاهد: يقولون لم يدخل مثلكم إلى قرية إلا عذب أهلها {لئن لم تنتهوا لنرجمنكم}: قال مجاهد: بالشتم، {وليمسنكم منا عذاب أليم}: أي عقوبة شديدة، فقالت لهم رسلهم: {قالوا طائركم معكم}: أي مردود عليكم، وقال قتادة: أي أعمالكم معكم، {أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون}: أي من أجل أننا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله وإخلاص العبادة له، قابلتمونا بهذا الكلام، وتوعدتمونا وهددتمونا إنكم قوم قلة مسرفون.