تفسير قول الله ” لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى “
يعتبر القرآن الكريم دستورًا للدين الحق، الذي يحرص على حفظ حقوق الجميع من خلال تنظيم العلاقات ووضع حدود وقواعد لها، ويسير الحياة على أسس تلك القواعد.
تفصيل مفردات الآية
يا أيها الذين آمنوا، لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى، كمثل الشخص الذي ينفق ماله لإرضاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر. مثله مثل صفوان عليه تراب، فتعرض للأمطار فتركه قاسيا لا يمكن أن يحصل على أي شيء مما كسبه. والله لا يهدي الكافرين الذين ينكرون الحقيقة. تناولت الآية الكريمة العديد من المفردات الهامة، فشددت على أهمية الصدقات وحذرت من أن الصدقات يمكن أن تبطل بالمن والأذى. قدم الكثيرون من المفسرين تفسيرات مختلفة لهذه الآية الكريمة وأهميتها في الحياة اليومية.
تفسير بن كثير
– كان من أهم من حاولوا تفسير الأية الكريمة العالم بن كثير ، حيث أنه في البداية تحدث بن كثير عن الصدقات و أهميتها و ضرورة الإنفاق في سبيل الله ، و قد أشار بن كثير في تفسيره إلى أن الصدقات هنا تركت مفتوحة لعموميتها و شموليتها ، أي أنها شملت كافة أنواع التصدق بالقول أو بالفعل أو بالمال.
بعد ذلك، تحدث ابن كثير عن مفهوم المن والأذى، وهي صفة من صفات المنافقين، حيث يتصدق البعض بالقول أو الفعل ثم في المقابل يذكرون فعلوها، وتستخدم هذه الكلمتان معا للإشارة إلى مدى تأثيرهما على الشخص الذي يتلقى الصدقة.
استند بن كثير في فكرة النهي عن المن في الصدقة إلى أحد الأحاديث النبوية الشريفة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب”. كما قال رسول الله: “لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر.
تفسير الكبير للآية
كان التفسير الكبير واحدًا من أهم التفاسير التي تحدثت عن الآية الكريمة، وتطرق الآية إلى نفس المضمون تقريبًا، ولكن بطريقة ربما تكون أكثر عمقًا، حيث تناول كل معنى على حدة.
في هذا التفسير للآية الكريمة، تم التحدث عن فكرة الصدقات وأهميتها الكبيرة، وشملت الصدقات عدة أشياء مختلفة، بما في ذلك الإنفاق على الفقراء وفي سبيل الله، كما تم التحدث عن أن المقصود من الآية هو التصدق بالقول والفعل.
– انتقل بعد ذلك التفسير إلى الحديث عن المن ، الأمر الذي يعرف باسم اصطناع التصدق ، و هذا يعني أن التصدق في هذه الحالة لا يتم بنية صادقة ، و الدليل على ذلك انتقال الحديث في الآية الكريمة للأذى ، الأمر الذي يعني كثرة الشكاية بالتضرر من هذه الصدقة ، و من هنا جاء السر في ذمومية المن.
وتحدث الآية الكريمة عن أمور أخرى متعددة، وكان من أهمها مكافأة هؤلاء الذين يقومون بتلك الأفعال. وتناولت الآية أيضا هذه المكافأة التي جعلها الله عنده، وذلك لتعظيم هذه المكافأة. وتميزت الآية بكلمة `مكافأة` التي تعبر عن العمومية، وكان الهدف من ذلك تعظيم المكافأة عند الله. وصاحبت الكلمات قوله تعالى `ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون`، وأشار التفسير إلى أن الحزن هنا يشير إلى ما يحدث في يوم القيامة.