تفسير قول الله تعالى ” وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه “
في سورة الكهف، الآية التاسعة والعشرون، يقول الله تعالى: “وقل الحق من ربكم ۖ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ۚ إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ۚ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ۚ بئس الشراب وساءت مرتفقا”، وسنتعرف في السطور التالية على تفسير هذه الآية الكريمة.
تفسير قول الله تعالى ” وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه “:
– تفسير القرطبي: فسر القرطبي قوله تعالى ( وقل الحق من ربكم ) أي أن الله تعالى يطل من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقول الحق وهو الإيمان الذي في القلب والقرآن الكريم، وأن يخبرهم الرسول بما غفلت قلوبهم عنه بسبب غفلتهم عن ذكر الله واتباع هواءهم.
يفسر قوله تعالى ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) بأنه تهديد وتحذير لأولئك الذين ينحرفون عن الإيمان، حيث يقول تعالى لهم: افعلوا ما ترغبون، سواء أردتم الإيمان أو الكفر، فلكل منهما جزاؤه، فالمؤمنون لهم الجنة، وأما الكافرون فلهم النار، وهو قول ابن عباس في تفسير هذه الآية، أي أن من أراد الله له الإيمان فسيؤمن، ومن أراد الله له الكفر فسيكفر، وهذا يعني أن مشيئة الله هي التي تحكم، وليس هذا تأييدا من الله للكفر لمن يشاء، وللإيمان لمن يريد، بل هو تهديد وتحذير.
وفسر القرطبي قوله (إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها)، بأن الله أعد وهيأ للكفار والظالمين نارا تحيط بهم، وهذه النار تكون حجرة مخصصة خصيصا لهم. ويقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار مثل مسيرة أربعين سنة)، وقال ابن عباس: (هو حائط من نار)، وقال الكلبي: (هو عنق يخرج من النار يحيط بالكفار مثل الحظيرة).
يعتقد بعض الناس أن هناك دخانا سيحيط بالكفار، وأن هذا ما ذكره الله تعالى في سورة المرسلات بقوله “انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب”، وقال ابن زيد في قوله تعالى “إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها”، أن هذا ينطبق على الكفار، وأن “أحاط بهم سرادقها” يعني أن سرادق النار التي أعدها الله للكفار ستحيط بهم، وقد يتمثل ذلك في حائط من النار يطوف بهم كسرادق الفسطاط، وهي الحجرة التي تطوف بالفسطاط.
يفسر قوله تعالى “وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب” بأن الكفار والظالمين سيُعانون في الجحيم من شدة العطش، وعندما يطلبون الماء سيتلقون ماء المهل الذي سيشوي وجوههم ويحرقها بسبب شدة حرارته، ويُزعم أن ماء المهل هو ماء أسود لزج كالزيت.
وقد اختلف في تفسيره حيث قال عنه ابن عباس : المهل هو ماء غليظ مثل دردي الزيت، وقال مجاهد إنه القيح والدم، وقال ابن مسعود عن المهل أنه يشبه الذهب والفضة بعد أن يتم ذوبانهما، وتشوى الوجوه بسبب شدة حرارته. وأشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن المهل يشبه الماء الذي يستخدم لصنع كعكر الزيت، وإذا اقترب إليه المرء فإن فروة وجهه ستسقط فيه
وقال جعفر: إذا جاء أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها، فاختلست جلود وجوههم، فلو أن مارا مار بهم يعرفهم، لعرف جلود وجوههم فيها، ثم يصبّ عليهم العطش، فيستغيثون، فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حرّه، فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود.
وفسر الله تعالى قوله: “وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا”، والمرتفق هو المتكأ، فستكون النار التي أعدَّها الله للكفار والظالمين متكأة لهم، وقد قال ابن عباس عنها إنها (منزلا)، وقال مجاهد إنها (مجتمعا)، وقال عطاء إنها (مقرا)، وقال القتيبي إنها (مجلسا) .