تفسير قول الله تعالى والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس
قال الله تعالى في سورة آل عمران الأية رقم مائة أربعة وثلاثين (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وهي من الآيات التي تدعوا إلى الإحسان للآخرين وحسن الأخلاق وعدم الغضب وفي هذا المقال سيتم تفسير الآية الكريمة.
تفسير قول الله تعالى والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس
– تفسير بن كثير: فسر بن كثير قول الله تعالى (الذين ينفقون في السراء والضراء) بأن الإنفاق من صفات أهل الجنة. ينفقون أموالهم سواء كانوا فقراء أو أغنياء، في الرخاء أو الشدة، وفي الصحة أو المرض. ينفقونها لوجه الله، وهذا نوع من الإحسان يسعون من خلاله إلى الاقتراب من الله وطاعته.
فسر قوله تعالى: تُعد “الكاظمين للغيظ والعافين عن الناس” من صفات أهل الجنة، حيث يتميزون بأنهم لا يظهرون غيظهم، ولا يسمحون لأحد برؤية غضبهم، وإذا تعرضوا للظلم فإنهم لا يصرخون ولا ينتقمون، بل يعفون عمن ظلمهم ويسامحونهم على الإساءة التي تعرضوا لها،
يقول أبي عمرو بن أنس بن مالك، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: `من كف غضبه، كف الله عنه عذابه، ومن حفظ لسانه، ستر الله عورته، ومن اعتذر إلى الله قبل عذره`
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: “الشديد ليس بالضربة القوية، بل الشديد هو الذي يتحكم في نفسه عند الغضب.
عن أبي حصبة عن رجل شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: ” تدرون ما الرقوب؟ ” قالوا الذي لا ولد له. قال : ” الرقوب كل الرقوب الذي له ولد فمات ، ولم يقدم منهم شيئا “. قال : ” تدرون ما الصعلوك ؟ ” قالوا: الذي ليس له مال. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” الصعلوك كل الصعلوك الذي له مال ، فمات ولم يقدم منه شيئا “. قال : ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما الصرعة ؟ ” قالوا: الصريع. قال : فقال صلى الله عليه وسلم الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ، ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره ، فيصرع غضبه ” .
وهناك حديث آخر عن الغضب رواه الأحنف بن قيس ، عن عمه الذي يقول: أن جارية بن قدامة السعدي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قل لي قولا ينفعني وأقلل علي ، لعلي أعيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تغضب ” . فأعاد عليه حتى أعاد عليه مرارا ، كل ذلك يقول : ” لا تغضب ” .
عن أبي هريرة في قوله تعالى : ( والكاظمين الغيظ ) حديث نبوي يقول: “من كظم غيظا، وهو يستطيع الانفعال به، ملأ الله صدره أمنا وإيمانا .
تفسير القرطبي: فسر القرطبي قوله تعالى (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، أن هناك أربع صفات هي من صفات أهل الجنة
الأولى في قوله تعالى : يتميز أهل الجنة بأنهم ينفقون أموالهم في الخير والصدقات، سواء كانوا في الرخاء أو الشدة، وذلك كما جاء في القرآن (الذين ينفقون في السراء والضراء).
الثانية في قوله تعالى : والكاظمين الغيظ، هم الذين يسكتون ولا يظهرون غضبهم واستيائهم، وعلى الرغم من قدرتهم على الانتقام من ظلمهم، إلا أنهم لا يظهرون غضبهم ويصبرون .
الصفة الثالثة في قوله تعالى : العفو والتسامح هما من الصفات الطيبة التي يحثنا عليها الإسلام، وهما جزء من الإحسان الذي يجب أن نتبعه لعمل الخير. ومن صفات أهل الجنة قدرتهم على السماح لمن أساء إليهم، رغم أنهم يملكون القدرة على معاقبتهم، إلا أنهم يتركون ذلكلوجه الله.
الصفة الرابعة في قوله تعالى `وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ` تعتبر صفة من صفات الإحسان، والإحسان ليس واجبًا في كل الأوقات، ولكنه يختلف حسب كل حالة.
قصة والكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
نزلت هذه الآية (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) {آل عمران:134} لتصف حال المسلمين الذين يكظمون غيظهم، فلا يظهرونه ويخفونه ولا يغضبون، وهذا من اوصاف المتقين المحسنين، بالاضافة الى العفو عند المقدرة، وهذه الاخلاق هي الاخلاق الموجبة لدخول الجنة.
تعد قصة علي بن الحسين واحدة من القصص التي يتداولها الناس ويذكرونها دائمًا حول هذه الآية، وتتمثل فيما يلي:
كان علي بن الحسين لديه جارية وطلب منها أن تصب له الماء، فسقط الإبريق من يدها فسبب له أذية على وجهه، وجروح، فهمَ بالغضب، فقالت له: إن الله يقول (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فكظم غيظه، ثم استمرت وقال له: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)، فعفا عنه، فلم تتوقف وأكملت الآية القرآنية وقالت له: (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فأطلق سراحها وقال لها أنت حرة لوجه الله عز وجل.
وفي هذه القصة عن السلف الصالح عبرة لنا لكظم الغيظ على من أخطأ في حقنا، والتغافل عن الزلات وتجاوز الخطأ، والإحسان الى الناس، ولنتخيل نفسنا مكانه، فما كان سيكون تصرفنا، كي ندرك حجم الفرق بين أخلاقنا الحالية وبين أخلاق السلف الصالح المتبع لسنة النبي عليه الصلاة والسلام والصراط المستقيم.