تفسير قول الله تعالى ” قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها “
يقول الله تعالى في سورة البقرة الآية الرابعة والأربعين بعد المائة: `قد نرىٰ تقلب وجهك في السماء، فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره، وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم، وما الله بغافل عما يعملون`، وسوف نشرح تفسير الإمام الطبري للآية القرآنية بالتفصيح.
تفسير قول الله عز و جل ” قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ”
في تأويل قول الله سبحانه و تعالى: “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ” يقول ابن جرير الطبري أن المعنى في هذه الآية من كلمة تقلب هو التحول و التصرف، و في المساء تعني نحو السماء، حيث كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يأمره الله عز و جل بتحويل القبلة من جهة بيت المقدس في فلسطين إلى جهة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، كان يرفع بصره نحو السماء و هو ينتظر من الله عز و جل أن يأمرَه بالتحويل نحو الكعبة.
ويقال أن قتادة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحول وجهه نحو السماء، لأنه أحب أن يرشده الله تعالى إلى الكعبة، ولذا أعطاه الله تعالى الكعبة، ويقول ابن جرير الطبري: حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان الناس يصلون قبل بيت المقدس، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعد ثمانية عشر شهرا من هجرته، كان إذا صلى يرفع رأسه نحو السماء لينظر ما يأمر به، وكان يصلي قبل بيت المقدس، ثم نسخت الكعبة هذا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يصلي قبل الكعبة، فأنزل الله جل ثناؤه: “قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام.
لماذا كان الرسول يتجه إلى الكعبة؟
اختلف أهل التأويل فيما يخص سبب ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يهوى أن تكون القبلة في اتجاه الكعبة المشرفة، حيث قال بعضهم أنه كره قبلةَ بيت المقدس و سبب ذلك أن نفر من اليهودَ قالوا: يتَّبع قبلتنا و يُخالفنا في ديننا، و قد قال اله عز و جل في الآية: “فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ”، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: هؤلاء قَومُ يهودَ يستقبلون بيتًا من بيوت الله –يقصد بذلك البيت المقدس- و لو أنَّا استقبلناه! فاستقبله النبي صلى الله عليه و سلم ستة عشر شهرًا، فبلغه أن يهودَ تَقول: و الله ما دَرَى محمد و أصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم! ، فذلك كره النبي صلى الله عليه و سلم التوجه إلى بيت المقدس، و رفع وجهه إلى السماء أي رفع وجهه راجيا من ربه أن يحول القبلة للكعبة، فقال الله جل ثناؤه: “قد نَرَى تقلُّب وجهك في السماء فلنوَلينَّك قبلةً ترضَاها فوَلّ وجهك شَطرَ المسجد الحرام”.
وقال آخرون من أهل التأويل والتفسير أن الرسول الله كان يحب الكعبة أكثر من بيت المقدس ، وذلك لأن الكعبة المشرفة كانت قبلة نبي الله إبراهيم عليه السلام. وقد قال ابن عباس: `شطر المسجد الحرام` أي باتجاهه ، وقد قال الطبري: حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا هشيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل ميزاب الكعبة. وقال آخرون أنه كان يستقبل البيت الحرام بأكمله ، وليس ميزاب فقط.