تفسير سورة العاديات
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)} [سورة العاديات: 1-11]
تفسير والعاديات ضبحًا
يقول تفسير ابن كثير لسورة العاديات إن العاديات ضبحا هي: قسم، وفيه يقسم الله تعالى بالخيل إذا جريت في سبيله فعدت وضبحت، وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبدالله: والعاديات ضبحا هي الإبل، وقال علي: هي الإبل، وقال ابن عباس: هي الخيل. وفيما يتعلق بقول ابن عباس، فقد وصله علي وقال: ما كانت لنا خيل يوم بدر. وأضاف ابن عباس: إنما كان ذلك في سرية بعثت.
تفسير فالموريات قدحًا
يعني بها: حوافرها، وقيل: أسعرن الحرب بين ركابهن، قاله قتادة، وعن ابن عباس ومجاهد: فالموريات قدحًا: تعني مكر الرجال، وقيل: هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل، وقيل المراد بذلك نيران القبائل، وقال من فسرها بالخيل: هو إيقاد النار بالمزدلفة، وقال ابن جرير والصواب أنها الخيل حين تقدح بحوافرها.
تفسير الآيات إلى آخر السورة:
{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} قال ابن عباس، ومجاهد وقتادة: يعني إغارة الخيل صبحًا في سبيل الله، وقال من فسرها بالإبل: هو الدفع صبحً من المزدلفة إلى منى، {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}: هو المكان الذي إذا حلت فيه أثارت به الغبار، إما في حج أو في غزو، {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}: قال العوفي عن ابن عباس، وعطاء وعكرمة: يعني جمع الكفار من العدو، ويحتمل ان يكون: فوسطن بذلك المكان جميعهن، ويكون {جَمْعًا}: منصوبًا على الحال المؤكدة
وعن ابن عباس قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا وأعلن شهرا لا يتوفر فيه أخبار، فنزلت {والعاديات ضبحا}، ضبحت أرجلها، {فالموريات قدحا}: قدحت بحوافرها الحجارة فأشعلت نارا، {فالمغيرات صبحا}: هاجمت القوم فجأة، {فأثارن به نقعا}: أثارت التراب بحوافرها، { فوسطن به جمعا}: قال: هاجمت القوم جميعا.
{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}: هذا هو المقسم عليه الذي ينكر نعم ربه، وقد قال ابن عباس إن الكنود يعني الكفور، ويقول الحسن إنه الذي يحصي المصائب وينسى نعم ربه. وعن أبي إمامة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن الإنسان لكنود لربه، وقال: “الكفور هو الذي يأكل وحده ويضرب عبده ويمنع رزقه.
{وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ}: قال قتادة وسفيان الثوري: إن الله على ذلك شهيد، ويشهد على ذلك الضمير الإنسان، إنه حب شديد للخير، يعني أنه حب شديد للثروة، ويمكن فهم ذلك باتجاهين: أولا، أنه حب شديد للمال، وثانيا، أنه جشع وبخيل للثروة، وكلا الفهمين صحيح.
{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ}: ينبغي إخراج الموتى منها، وعرض ما كانوا يخفون في صدورهم. ويومئذ سيكون ربهم عالما بكل ما كانوا يفعلون، وسيجازيهم بالكمال دون أي ظلم.