تفسير ” ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب “
{هذا ومن يُعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، وفيها منافع إلى أجل مسمى، ثم محلها إلى البيت العتيق} [سورة الحج: 32-33]، وذُكِرت هذه الآيات في سياق الأضحية، والتي هي إحدى شعائر الحج.
تفسير الآيات بن كثير:
يقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله}: أي أوامره، {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}: ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال ابن عباس: تعظيمها واستسمانها واستحسانها وقال أبو أمامة عن سهل: كنَّا نسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمِّنون [رواه البخاري في صحيحه]. وعن أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين»، [رواه أحمد وابن ماجه].
قالوا: العفراء هي الخروف ذو اللون الأبيض الباهت، وهو الأفضل من بين الخراف الأخرى للذبح. ويمكن استخدام أنواع أخرى من الخراف في الذبح أيضا، وتم ذكر ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم لكبشين أملحين أقرنين في صحيح البخاري، ولكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين في سنن ابن ماجه. وفيما يتعلق بالتربية، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم ذبح الخراف الحوامل والمرضى والضعفاء، وأشار إلى ضرورة فحص الخراف بالعين والأذن قبل الذبح.
وعن البراء قال، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: أربعة لا يجوز في الأضاحي: المرأة عورتها مكشوفة، والمريضة مرضها مكشوف، والعجوز عورتها مكشوفة، والكسيرة التي لا تنقى” [رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي]، وهذه العيوب تؤدي إلى تراجع جودة اللحم بسبب ضعفها وعجزها عن الرعي، حيث يتقدم الشباب إليها في الأراضي المرعية، وبالتالي فإنه لا يجوز أن تكون داخلة في التضحية حسب الشافعي وغيره من الأئمة كما هو ظاهر في الحديث.
ولهذا جاء في الحديث: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ننظر إلى الهدية أو الأضحية التي نقدمها بعينين وأذنين، وذلك لأنها يجب أن تكون سمينة وحسنة وثمينة. وقد أهدى عمر بن الخطاب هدية نجيبة بقيمة ثلاثمائة دينار، ولكنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يجوز بيعها وشراء بدنة بثمنها، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: «لا، قم بذبحها كأضحية»، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود
وقال ابن عباس: البدن هو شعيرة من شعائر الله، وقال محمد بن أبي موسى: الوقوف ومزدلفة والجمار والرمي والحلق والبدن من شعائر الله، وقال ابن عمر: أعظم الشعائر البيت، وقال: `لكم فيها منافع`، أي لكم في البدن منافع من حليبها وصوفها وأوبارها وأشعارها وركوبها إلى أجل مسمى، وقال مجاهد في قوله: `لكم فيها منافع إلى أجل مسمى`: الركوب والحليب والولد. فإذا سميت البدنة أو الهديا، فإن ذلك يشمل كل هذه الأمور، وهذا ما قاله عطاء والضحاك وقتادة وغيرهم.
وقال آخرون: لكنها يمكن أن تستفاد منها وإذا كانت هديا إذا كان هناك حاجة لذلك؛ كما ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يقود بطنا فقال: «اركبها» فقال: إنها بطن، فقال: «اركبها والله يحفظك» في المرة الثانية أو الثالثة، وفي رواية أخرى للمسلم: «اركبها بالمعروف إذا استعنت بها» وعن علي أنه رأى رجلا يقود بطنا ومعها ولدها، فقال: لا تشرب من لبنها إلا ما يتبقى لولدها، وعندما يأتي يوم الذبح فاذبحها وولدها، وقوله: {ثم محلها إلى البيت العتيق}: يعني محل الهدي ونهايته عند البيت العتيق وهو الكعبة، كما قال تعالى: {هديا بالغ الكعبة} [المائدة: 95]، وقال: {والهدي معقوفا أن يبلغ محله} [الفتح: 25]. وقال عطاء، كان ابن عباس يقول: كل من طاف بالبيت فقد حل.