احكام اسلاميةاسلاميات

تفسير الله يرحمه ويجعل مثواه الجنه

في الآونة الأخيرة، نشأ نقاش واسع بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي حول صيغة الدعاء المناسبة التي يجب أن يدعو بها الإنسان للمتوفى. ومن المعروف أن الدعاء يعتبر من أهم الأعمال الصالحة، والقليل منها يصل إلى الإنسان بعد وفاته. ولذلك، يحاول كل شخص يحبه من أفراد عائلته وأصدقائه ومعارفه أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، ويقول: “الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة”. وظهر بعض الأشخاص الذين يرون أن هذه الصيغة من الدعاء ممنوعة لأسباب عدة، والأفضل أن نقول “مأواه” بدلا من “مثوا .

جدول المحتويات

حكم قول الله يجعل مثواه الجنة

يتطلب حكم المفتي في هذه المسألة أن يكون عالمًا بمفردات اللغة العربية ، حيث يوجد كلمتان يجب الحكم عليهما بالإباحة أو الكراهية أو السماح بالاستخدام

يقول بعض الناس أن مقام الإقامة لا ينبغي أن يكون مع أهل الجنة، حيث يشار إلى مقام الإقامة عادة في القرآن الكريم في سياق أهل النار، وتكرر ذلك في العديد من الآيات، وينبغي أن نستخدم مصطلح `مأواه` للجنة. والحقيقة أنه يمكننا استخدام مصطلح `مثواه` دون أي تناقض في قوله تعالى: `وما كنت ثاويا في أهل مدينة` وكما قال تعالى: `والله يعلم متقلبكم ومثواكم`، فيمكن أن يكون مقام الجنة أو النار  .

وقد جاء المأوى مع آيات العذاب مثل قوله تعالى :

  • ومأواهم النار، وما أساء مثوى الظالمين .
  • يا أيها النبي، اجاهد الكفار والمنافقين وأشد عليهم، ومأواهم الجحيم والنتيجة سيئة .

وقد جاء المثوى مع غير آيات العذاب مثل قوله تعالي :

  • (وقال الرجل الذي اشتراها من مصر لزوجته: أكرمي مسكنه)
  • ( قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ )
  • ( وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ )
  • ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )

ما معنى كلمة مثوى في القرآن

تعريف كلمة مثوى في معجم لسان العرب كما يلي

ثوا : الثواء: طول المكان الذي يقام فيه، وثوى يعني الإقامة، وثويته تعني الإقامة في المكان ، كما في قولهم `مضى يمضي مضاء ومضيا`. المعنى الأخير مأخوذ من سيبويه. وأثويت به تعني أقمت الإقامة فيه. وأثويته أنا وثويته يعني أقمته وإقامته. المعنى الأخير مأخوذ من كراع: ألزمته الإقامة فيه. وثوى بالمكان يعني نزل فيه، وبه سمي المنزل مثوى. والمثوى هو المكان الذي يقام فيه، وجمعهم المثاوي. ومثوى الرجل يعني منزله. والمثوى هو مصدر كلمة ثويت وأثوي وثواء ومثوى. وفي كتاب أهل نجران: على نجران مثوى رسلي، أي مسكنهم لمدة إقامتهم ونزولهم. والمثوى هو المنزل. وفي الحديث: أن رمح النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يسمى المثوي، وسمي بهذا الاسم لأنه يثبت المصاب به من الجروح والإصابات للإقامة. وأثويت بالمكان هو لغة في كلمة ثويت. قال الأعشى: أثوى وقصر ليله ليزودا ومضى وأخلف من قتيلة موعده .

الفرق بين المثوى والمأوى

يأتي الفرق بين المثوى والمأوى في القرآن الكريم كما يلي

المثوى 

الاستقرار هو الحالة التي يصل إليها الإنسان أو المال بعد الكثير من العناء والمكابرة، دون التخطيط لها مسبقًا، ويمكن أن يكون هذا الاستقرار على شر أو خير .

كما جاء في  القرآن الكريم مثلاً قوله تعالى :

  • (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مكان إقامتي إن الظالمين لا ينجحون) في هذا المقام ، يصف الله – عز وجل – وضع نبيه يوسف – عليه السلام – أنه في مكان أفضل لإقامته ووضعه ، سواء حقق الخير أو الشر في هذا المكان .
  • ويقول تعالى : ( وَلَٰكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ  )
  • ويقول تعالى : إن الله يدخل الجنة تحت الأنهار للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأما الذين كفروا فسوف يتمتعون ويأكلون كما تأكل الحيوانات، والنار ستكون مستقرهم. عادة، يذكر مصطلح `المستقر` مع الكافرين، وذلك لأن المكان الذي وصلوا إليه بعد جهود ومشقة في الحياة الدنيا، كانوا يعتقدون أنه سيكون مختلفا، لكنهم فوجئوا بتلك المستقر .
  • وبعضهم يستمع إليك حتى عندما يغادرون من عندك، يقولون لأولئك الذين أوتوا العلم: ماذا قال في البداية؟ هؤلاء هم الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا هواهم (16) وأما الذين اهتدوا، فزادهم الهدى وأعطاهم تقواهم (17) فهل ينتظرون إلا الساعة لتأتيهم فجأة؟ إنها قد جاءت بعلاماتها، فماذا يكون حالهم عندما تأتيهم تلك التذكيرات (18) فاعلم أنه لا إله إلا الله، واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. والله يعلم تقلباتكم وأماكنكم (19). هنا يصف الله عز وجل حالة المؤمنين بأنها مثوى، ولم يستخدم كلمة مثوى لوصف الكافرين .

المأوى 

يمثل المكان أو الحالة التي يرتاح فيها الشخص بعد التعب ويستند إليه .

 تتوفر الكثير من الأدلة على ذلك في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:

  • عندما أوى الفتية إلى الكهف، قالوا: `ربنا، امنحنا رحمتك من عندك`
  • وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقًا .
  • وابن نوح يقول فيه تعالى: (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)
  • عندما يقول شخصٌ `لو أن لي بكم قوةً أو آوي إلى ركنٍ شديد` فهذا يعني أنه لا يجد ملجأً يمكنه الاحتماء به، ولا يوجد مكانٌ آمنٌ يمكنه اللجوء إليه .
  • وفي سورة يوسف  : عندما دخلوا على يوسف، أوى إليه أخوه وقال له: إني أخوك، فلا تحزن على ما فعلوا
  • عندما دخلوا على يوسف، استضافهم واستقبلهم بكل حفاوة، وقال لهم: `ادخلوا مصر، إن شاء الله، آمنين`
  • يقول تعالى لنبيه : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا )
  • يقول تعالى : يا أيها النبي، اجاهد الكفار والمنافقين وأشد عليهم، ومأواهم الجحيم والنتيجة سيئة .

جميع هذه الآيات القرآنية تدل على أن المثوى ، والمأوى معناهما متقارب ، ولكن هناك اختلاف بسيط بين المعنيين  فيجب أن نعلم أن المثوى هو المستقر ، أو المكان الذي يصل إليه الإنسان بعد الكثير من السعي ، والعناء ، والمشقة ، ولا يكون لديه تخطيط للوصل له ، ولا تدبير محكم ، سواء كان هذا المستقر حسن كان أو سيء .

لكن المأوى هو المكان الذي يصل إلى الشخص بعد الكثير من السعي ، والمكابدة ، مع التخطيط للوصول لهذا المكان واللجوء والاحتماء بهِ وإليه ، والحقيقة أن الدعاء في نهاية الأمر هو صلة بين العبد وربه ، ويمكن للإنسان أن يدعوا لنفسه ، وللمتوفي بما بالصيغة التي يجريها الله على لسانه لأنه – سبحانه – أعلم بكل ما يجول في خاطر الإنسان ، وما يسره ويعلنه فهو القائل في كتابه الكريم : ( ادعوني أستجب لكم ) فالأمر هنا مطلق الدعاء وليس وفق شروط أو صيغ محددة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى