الفرق بين المثوى والمأوى
قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).. الآية 23 .. من سورة يوسف ..
وقال تعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين)، الآية ١٥١ من سورة آل عمران ..
وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .. الآية 69..من سورة يوسف ..
وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (وَلَٰكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) .. الآية 45.. سورة القصص..
وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ).. الآية 12 ..سورة محمد..
وقال الله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: `فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ`، الآية 39، سورة النازعات..
يقول تعالى في سورة النازعات، الآية 41: `فإن الجنة هي المأوى`
تم ذكر جميع الآيات الكريمة التي سبق ذكرها في كتاب الله، وذكرت فيها كلمتي المثوى والمأوى، وسنتناول فيما يلي مفردتي (المأوى والمثوى) في القرآن الكريم، والاختلافات المعنوية بين المفردتين وفقا للقرآن الكريم، بدءا بتعريفهما وتمييزهما وفقا لكلام الله تعالى من خلال شرح الآيات الكريمة، واستعراض أقوال أهل العلم في هذا الموضوع.
الفرق بين تعريف المثوى والمأوى
في اللغة، المثوى هو المكان الذي يصل إليه الإنسان بعد الكثير من العناء والمكابدة، ويصل إليه بدون تخطيط أو سعي أو تدبير مسبق، وقد يكون هذا المكان مكانًا سيئًا أو مكانًا للراحة والكرامة، بينما المأوى هو المكان الذي يصل إليه الإنسان بعد أن يسعى ويجهد ويبذل الجهد للوصول إليه، ويكون هذا المكان مكانًا ملائمًا ومكانًا للمال والاستقرار.
المثوى
معنى المثوى وشرحه بالدلائل
المثوى هي كلمة مفردة لا تحمل الدلالة على الخير المحض ، أو الشر المحض بل هي كلمة محايدة ، تصف الحال سواء كان مآل خير ، أو مآل شر ، فعلى سبيل المثال لو خرج رجل من بيته هائما في الصحراء ، فاستقر به المسير في واحة باردة ، ومنزل مبارك فهو مثواه ، لأنه لم يسعى للوصول إليه بعينه ، ولم يجهد في التدبير لذلك ، وكذلك لو استقر به المسير في يد جماعة مجرمة عذبوه ، وسلبوه وسجنوه لصار سجنهُ مثوى له أيضاً ، لأنه لم يسعى لهذا المصير.
ويقول الله تعالى في كتابه لكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).. الآية 23 من سورة يوسف ..
وصل فسيدنا يوسف عليه السلام إلى مصر بعد رحلة عناء ومكابدة، وكان بيت العزيز مثواه، وهو المأوى والمستقر الذي لم يكن يسعى إليه أو يخطط للوصول إليه. ولما وصل، أحسن العزيز مثواه، وعلم من ذلك أن المكان الذي يسكنه يتمتع بحال حسن في الإقامة، وقد كان يحتمل أن يكون مكان سيء.
وفي موضع آخر من كتابه الكريم، قال الله تعالى: (ولكنا أنشأنا قرونًا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويًا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين)؛ الآية 45 من سورة القصص..
وقد جاء ذلك في حديثه تعالى عن موسى عليه السلام ، والمعروف أن سيدنا موسى خرج من مصر خائفًا ، يترقب فكان مصيره بعد رحلة عناء ومكابدة إلى مدين ، ولم يكن قد أبرم أمره على مآله ، ومنتهى سيره فكانت مدين مثوى سيدنا موسى بعد هروبه من مصر ، وكان مثوى حسن إذ تزوج وأمن من فرعون وجنده.
ذكر المثوى وأهل النار
يتم ملاحظة استخدام كلمة `مثوى` كثيرا لأهل النار، ويعود ذلك إلى أنها مكان ثابت ومصير سيء يصلون إليه بعد مشقة وصعوبة في الحياة. ولكن لو كانوا يرون ما سيصلون إليه، لما استمروا في الكفر حتى انحطموا في النار. فهم مثل من يسبح في ماء الدنيا حتى ينتهي بالموت ويجد نفسه في جهنم وعذابها، وهذا لم يكن ما يسعون إليه. بل كانوا يعتقدون أن ضلالهم سيقودهم لشيء غير ما وصلوا إليه. فكانت جهنم وجهتهم الدائمة ومأواهم .
ويقول الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ).. الآية 12..سورة محمد..
يسمى قبر الرجل مثواه لأنه يستقر فيه بعد عناء الحياة، ولم يسعَ له، وقد يكون مثواه حسنًا أو سيئًا، ولذلك يخاطب الله جل وعلا المؤمنين والمنافقين، بأنه يعلم مكان وحال مثواهم، سواء كان حسنًا أم سيئًا، عندما ينتهي عمرهم ويموتون، وتعبر كلمة “المثوى” عن ذلك.
فيقول الله تعالى ، بسم الله الرحمن الرحيم ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19).. سورة محمد ..
ومعنى كلمة متقلبكم أي تغير أو تبدل أحوالكم بين الكفر والإيمان ، وكلمة مثواكم أي مصيركم وما ينتظركم في المستقبل الجميل للمؤمنين ، وما ينتظر المنافقين والكفار من الشر والعذاب ، والسياق يتحدث بشكل خاص عن المنافقين وموقفهم من النبي وأصحابه المؤمنين ، ويمكن أن يكون المثوى هو المصير النهائي الذي يصل إليه الإنسان دون أن يتدخل بذلك ، وإذا كان الإنسان لا يعرف مصيره فالله هو العالم به.
المثوى وأهل الجنة
ونلاحظ قلة استخدام كلمة المثوى وعدم نسبها لأهل الجنة ، يرجع ذلك إلى أن أهل الجنة يعملون لها ويتشوفون لدخولها ، ويسعون لبلوغها فإذا آواهم الله فيها ، فلم يصح أن تسمى مثوى ، لأنه لا يدخلها إلا من سعى لها سعيها ، وهو مؤمن وعمل للوصول إليها والسكن فيها ، فانتفى عنها أن تكون مثوى لهذا السبب.
المأوى
معنى المأوى وشرحه بالدلائل
كما ذكرنا سابقًا، فإن كلمة `المأوى` تعني المستقر والمكان الذي يصل إليه الشخص الذي يسعى ويجهد نفسه للوصول إليه.
في الآية العاشرة من سورة الكهف، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا: ربنا آتنا من لدنك رحمة”، بسم الله الرحمن الرحيم..
نرى هنا أن الفتية سعوا وجهدوا ودبروا أمرهم، ليصلوا إلى الكهف ويبحثوا عن الأمن والحماية من عدوهم، ولذلك كان الكهف المأوى الذي حماهم.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا) .. الآية 16..سورة الكهف..
حدث الفتية بعضهم بعضًا واحتموا بالكهف، وكان وصولهم إليه بنيّة مسبقة وجهد متقدم، وعملوا جاهدين للوصول إلى الأمان والحماية.
ويقول الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).. الآية 43..سورة هود..
في ذلك المكان، نرى أن ابن سيدنا نوح عليه السلام، بذل جهودا لصعود الجبل، بهدف الاحتماء من الطوفان، وظن أن الجبل سيحميه وينقذه من الغرق بعد بذله كل جهده، ولكن الواقع كان مختلفا، فندرك أن الاعتبار بأن المأوى والمكانة النهائية آمنة، هو وجهة نظر شخصية، فهي قد تكون صحيحة وقد لا تكون.
في آية 80 من سورة هود ، يقول الله تعالى: “قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد” ، وهي آية في القرآن الكريم..
وفي هذه الحالة، يتحسر الشخص على انعدام مساعدة قومه الذينيمنعونه من استضافة ضيوفه أو اللجوء إلى أي شخص يمكنه حمايته من عدوانهم، ولذلك يعتبر المأوى هو المكان الآمن والملجأ الذي يلجأ إليه لحمايته من المعتدين.
وفي قوله تعالى ، بسم الله الرحمن الرحيم عندما دخلوا على يوسف، أوى إليه أخوه وقال له: إني أخوك، فلا تحزن على ما فعلوا..الآية 69..سورة يوسف..
وفي قوله تعالى ، بسم الله الرحمن الرحيم عندما دخلوا على يوسف، استضافهم واستقبلهم بكل حفاوة، وقال لهم: `ادخلوا مصر، إن شاء الله، آمنين`.. الآية 99..سورة يوسف..
في هذا الموضع أيضًا ، نجد سيدنا يوسف عليه السلام ، أخذ أخيه ووفر له الحماية والمعيشة الطيبة في كنف أخيه بعد تدبير وتخطيط مسبق ، فحصلت له المنعة والقوة فكان مسكنه عند أخيه مأوى ، وكذلك حصل مع أبويه فاستدخلهم في جناحه ، وضمن سلطانه وتحت حمايته وفي كنفه ، بعد أن دبر الأمر ، وسيره بتأييد الله ليصل لهذه النتيجة ، فمفهوم الإيواء هنا وهو أن التعبير بالنسبة ليوسف ، وليس لأخيه وأبويه ، فهم لم يأووا إليه ولم يسعوا لذلك ، بل هو من آواهم إليه ووفر لهم ما لم يكونوا يحتسبون ، وبالتالي فلا يشكل على مفهوم الإيواء هنا شيء بل يؤيده.
وفي قوله تعالى في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك. ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن. والله يعلم ما في قلوبكم، وكان الله عليما حليما. الآية 51. سورة الأحزاب..
ويخاطب الله في الآية الكريمة نبيه ، ويقول له أن تقرب إليك من شئت منهن ، وتجعلهن تحت جناحك وفي حنانك وكنفك ، وترجي من شئت أي تبعدهن حتى إذا شئت أن تؤوي ممن أرجيت وأبعدت ، فلا جناح عليك فيحصل الرضى في أنفسهن ، ولا يجدن في أنفسهم حزنا على فوات قربك فيحصل الرضى منهن جميعًا.
كلمة المأوى وأهل النار
كما ذكرنا سابقا، المأوى هو نتيجة سعي أهل النار. وعلى الرغم من ذلك، نلاحظ أيضا أن كلمة المأوى تستخدم في مواضع كثيرة في كتاب الله لوصف مأوى الكافرين والمجرمين. في كتابه الكريم، يقول الله تعالى (يا أيها النبي، جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير… الآية 73، سورة التوبة)..
وهذا يعني أن مصيرهم ومآلهم هو النار، عندما نشاهد أعينهم ونشعر بما يشعرون به. عندما يعتقدون أن مصيرهم سيكون شيئا ويفاجئون بشيء آخر، يكون هذا المصير هو مكان إقامتهم. بالنسبة لهم، يكون النار هي المأوى بدلا من ما يعتقدون ويسعون إليه. وبالنسبة لله، يكون مكانهم في النار مصدرا للسخرية منهم، كما هو الحال في كثير من المواضع. عندما يلجؤون إلى أصنامهم وآلهتهم للحماية من الله، يجعل الله مكان إقامتهم ونتيجة ولاءهم للآلهة بدلا من الله هي النار. لذلك، يكون مكانهم في نظر الله مجرد سخرية.
وبالمثل، أيضا مع ابن سيدنا نوح، كان لديه خطة للجوء إلى الجبل من الطوفان، وسعى إليه ظنا منه أنه مأوى، لكن مصيره ومقصده كان الغرق، وهكذا يكون العذاب لجميع المكذبين، لذلك يجب أن ندرك أن مفهوم المأوى والمثوى نسبي ويعتمد على حالة الشخص المقصود بهذا، ونقول إن أهل الكفر والضلال يعبدون غير الله ويشركون به، ويسعون إلى مأوى في الآخرة ظانين أنهم يعملون الخير، لكنهم سيفاجئون بالمثوى وهو جهنم، على خلاف ما خططوا وتدبروا، والنهاية الحقيقية والخاتمة هي التي تحدد مصير ابن آدم، سواء كان مأوى أو مثوى، وليس ذلك بالقرار الذاتي والنية.
الفرق بين المثوى والمأوى
وبناء على كل ما سبق ذكره ، فالمثوى هو المستقر الذي يصل إليه المرء بعد المكابدة ، وليس له يد أو سعي أو تدبير في الوصول إليه ، وقد يكون مثوى سوء أو مثوى حسن ، أما المأوى فهو الموضع الآمن ، والمآل المريح الذي يسكن إليه المرء بعد جهد وسعي ، ومكابدة للوصول لهذا المأوى والالتجاء إليه.