تفسير الآية ” ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا “
قال الله تعالى {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم يصدونهم عن الطريق، ويعتقدون أنهم مهتدون، حتى يأتيهم العذاب، فيقولون: يا ليت بيني وبينك مسافة بعيدة، ويكون الشيطان صحبا سيئا للإنسان.}” [سورة الزخرف: 36-38]
تفسير القرطبي ” ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا ”
قوله تعالى: ومن يتجاهل ذكر الرحمن يصبح لديه شيطان مرافق له”، واقرأ ابن عباس وعكرمة “ومن يعمى” بفتح الشين، ويعني أن يفقد البصر، أي أن يتجاهل ويتغافل ويتعرض. وقال الخليل: العشو هو النظر ببصر ضعيف، وقال الجوهري: العشا هو الذي لا يرى في الظلام ويبصر في النهار، والعشواء هي الناقة التي لا يرى أمامها، فتتصادم بكل شيء. وهذه الآية تتعلق بقوله تعالى في بداية السورة: “أفنضرب عنكم الذكر صفحا” [سورة الزخرف: 5]، أي نواصل لكم الذكر. فمن يتجاهل تلك الذكرى ويتحول إلى أقوال المضلين وأفكارهم الباطلة، يصبح لديه شيطان يعاقبه على كفره، والمعنى أنه يتجاهله ويغفل عنه، ولأنه غفل عن شيء مهم لا ينبغي أن يغفل عنه أو يتجاهله، يعاقبه الله.
{فهو له قرين} يقال في الدنيا، يمنعه من الأشياء المباحة، ويدفعه نحو الأشياء المحرمة، وينصحه بتجنب الطاعة، ويأمره بالمعصية. هذا هو معنى قول ابن عباس. ويقال في الآخرة عندما ينهض من قبره؛ وفقا لقول سعيد الجريري. وفي الحديث: إن المشرك عندما يخرج من قبره، يتوسطه شيطان يبقى معه حتى يدخل النار. وأما المؤمن فيتوسطه ملاك حتى يقضي الله بين خلقه؛ هذا ما ذكره المهدوي. وقال القشيري: إن الصواب هو أنه له قرين في الدنيا والآخرة.
وبشأن ابن عباس {نقيض له شيطانا فهو له قرين} أي ملازم ورفيق. ويقال: إنه يعني ملازما يضله ويوسوس له، {فهو} التعبير عن الشيطان؛ وفقا لما سبق. ويقال أيضا إنه يعني الابتعاد عن القرآن؛ أي أنه قرين للشيطان. {وإنهم ليصدونهم عن السبيل} أي وإن الشياطين تصدهم عن طريق الهداية، {ويحسبون} أي ويظن الكفار {أنهم مهتدون} ويقال: ويظن الكفار أن الشياطين مهتدين فيطيعونهم.
قوله تعالى: يعني عندما يأتي الكافر في يوم القيامة. ويمكن أن يعني الكافر وقرينه، حيث يتم ربطهما بسلسلة واحدة. ويقول الكافر في هذا اليوم: “يا ليت بيني وبينك مسافة بعيدة”، أي في أقصى نقطة من الشرق والغرب، كما ذكر الله في القرآن الكريم. وقد قال مقاتل الدين السويدي شيئا مشابها. وعلى الرغم من أن قراءة التوحيد تظهر أن الله واحد، إلا أن المعنى يشمل كلاهما، وقد تم التأكيد على ذلك في الجملة اللاحقة.
قال مقاتل : يرغب الكافر في أن يكون بين المشرقين يوم أطول في السنة وبين المغربين يوم أقصر في السنة، ولذلك قال: “بعد المشرقين”. ويعني بذلك المشرق والمغرب، ولكن اسم أحدهما يغلب على الآخر، مثل قولنا: القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر، والبصرتان للكوفة والبصرة، والعصران للغداة والعصر. ويقصد بـ “فبئس القرين” أن الشخص الذي يحمل هذا اللقب سيذهب إلى النار، ولذلك فإن الكافر إذا أرسل زوجا لقرينه من الشياطين، فإنه لا يمكن أن يتركه حتى يصل به إلى النار.