تفسير الآية ” وما علمناه الشعر وما ينبغي له ” وسبب نزولها
{ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } [سورة يس: 68-70]
تفسير الآيات ابن كثير :
{ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ } يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره، ردّ إلى الضعف بعد القوة، والعجز بعد النشاط، كما قال تعالى { الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } [ سورة الروم: 54]، وقال عزَّ وجلَّ: { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا } [سورة النحل: 70]، والمراد من هذا – والله أعلم – الإخبار عن هذ الدار، بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار.
ولهذا قال عزَّ وجلَّ:: الآية تشير إلى أن الناس يجب أن يتفكروا في خلقهم وتطورهم منذ الولادة وحتى الشيخوخة، وأنه يجب عليهم أن يدركوا أنهم خلقوا للدار الآخرة وأنها هي الوجهة النهائية والدائمة للإنسان. وتشير الآية الأخرى إلى أن الله تعالى لم يعلم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الشعر وأنه لم يكن متأثرا به، ولذلك كان النبي يتجنب الشعر ولا يستخدمه في أقواله أو في تعابيره.
قال الشعبي:يقول الشعر إن عبد المطلب لم ينجب ذكرا أو أنثى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكره. وذكر ذلك ابن عساكر عن الشعبي، وقال الحسن البصري: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا. وقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا، وقال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما: أشهد أنك رسول الله. وذكر ذلك ابن أبي حاتم عن الحسن البصري. وقال الله تعالى: { وما علمناه الشعر وما ينبغي له }
: في مغازيه ، روى الأموي أن الرسول صلى الله عليه وسلم تجول بين الجنود المقتولين في يوم بدر وهو يقول “نفلق هاما” وأجاب الصديق رضي الله عنه بقوله “…من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما” وعائشة رضي الله عنها روت أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما استمع إلى شيء مثير للاهتمام ، فإنه يقول بيتا لطرفة ، وهو يأتي بأخبار لم تكن معروفة من قبل
ستظهر لك الأيام ما كنت جاهلاً، وتصلك أخبار من لم توقعها
وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، ولكن تبعا لقول أصحابه رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون
لولا وجودك، لما اهتدينا، ولا صدقنا، ولا صلينا
فأسكِن السكينة فينا وثبِّت أقدامنا إذا واجهنا ما يخيفنا
إذا أراد هؤلاء الأشرار إثارة الفتنة بيننا، فإنهم قد غدروا بنا
ويرفع صلى الله عليه وسلم صوته يقوله:روى البخاري ومسلم وزحاف في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين وهو راكب البغلة يقدم بها في نحور العدو: `أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ، أَنَا ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ`
لكن قالوا:وقع اتفاق غير مقصود لوزن الشعر، وجرى الخطأ في النطق، وكما ورد في الصحيحين عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه، فقد قلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار، فنكبت إصبعه، فقال صلى الله عليه وسلم
أأنت إلا إصبع في دمية؟ وفي سبيل الله ما وجدت؟
وهذا لا ينفي أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم الشعر ولا كان يليق به. إن الله تعالى علمه فقط القرآن العظيم الذي لا يدخله باطل من قبله أو من بعده، فهو تنزيل من الحكيم الحميد [فصلت: 42]. وليس له صفة الشعر كما زعمت بعض الجهلة من كفار قريش، ولا هو كهانة أو سحر يؤثر، وقد تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال. وكان صلى الله عليه وسلم يكره صناعة الشعر تلقائيا وشرعا
قال صلى الله عليه وسلم:قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا”، وقد رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعا. وقال ابن كثير إن إسناده صحيح شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ومع ذلك، فإن الشعر يحتوي على ما هو مشروع، وهو هجاء المشركين الذي كان يمارسه شعراء الإسلام مثل حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، وغيرهم. ويحتوي الشعر أيضا على حكم ومواعظ وآداب، كما هو موجود في شعر بعض الجاهلية، مثل شعر أمية بن أبي الصلت الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “آمن شعره وكفر قلبه.
كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يؤلفون للنبي صلى الله عليه وسلم مائة بيت شعر، حيث كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل بيت “هيه”، وذلك ليحفظه ويستعمله فيما بعد. وفي الحديثالشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً”، وهذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما.
ولهذا قال تعالى:معنى قوله تعالى: `وما علمناه الشعر` هو أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يتعلم الشعر من عنده، وما كان يليق به هو الذكر والقرآن المبين فقط، والذي يبين بشكل واضح لمن يتدبره، ولذلك قال الله تعالى: `لينذر من كان حيا`، أي لينذر هذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض، كما قال قتادة: القلب الجيد، البصيرة المستنيرة، وقال الضحاك: يعني العاقل، وهو حجة على الكافرين ورحمة للمؤمنين.