تفسير الآية ” وجعلوا له من عباده جزءًا “
قال الله تعالى : في سورة الزخرف، يقول الله: `وجعلوا له من عباده جزءًا، إن الإنسان لكفورٌ مبينٌ أم اتخذ مما يخلق بناتٍ وأصفاكم بالبنين`
تفسير ” وجعلوا له من عباده جزءًا ”
القول في تأويل قوله تعالى: وجعل الكفار من عباده نصيبا لله، وهذا يعني أنهم يعتقدون أن الملائكة هم بنات الله. ويتفق أهل التأويل على هذا المعنى، وقد قال مجاهد في تفسير قوله تعالى `وجعلوا له من عباده جزءا` أن الملائكة لديهم أبناء وبنات. وقال السدي أنهم بنات، وقد ذهب آخرون إلى أن الجزء المشار إليه هنا هو `العدل`.
وعن قتادة { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا }: ليس هناك أي تعديل، ولكننا اخترنا الكلام الذي اخترناه في تفسير ذلك، لأن الله جل ثناؤه يتبع القول الذي قلناه: `أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين` [الزخرف: 16] وهذا لتوبيخهم على قولهم ذلك، وكان من المعلوم أن توبيخه لهم بهذا الشأن يتعلق بما قيل عنهم من إضافة البنات لله جل ثناؤه.
وعن الزجاج والمبرد: يشير هذا المقطع إلى أن الجزء هنا يشير إلى البنات. ويعبر عن استغراب المؤمنين من جهلهم إذا قرروا بأن الله هو خالق السماوات والأرض ومع ذلك جعلوا له شريكا أو ولدا. وهم لا يدركون أن من يملك القدرة على خلق السماوات والأرض لا يحتاج إلى أي شيء يستعين به أو يتأنس به، لأن ذلك يعتبر من الصفات المنقوصة. ووفقا للأدب العربي، فإن الجزء يشير إلى البنات، ويستخدم هذا المصطلح في الأدب العربي للإشارة إلى أن المرأة قد أنجبت البنات
فإذا أجزأت المرأة يومًا، فلا عجب، قد تجزئ الحرة المذكر أحيانًا
وقال الزمخشري: من بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث، وادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث، وهذا ليس إلا كذبا على العرب وتقديم ابتداع مغير. ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه `أجزأت المرأة`، ثم صنعوا `بيتا`، وبيتا يعني: إن أجزأت المرأة يوما فلا يستغرب زوجتها أن تكون من بنات الأوس مفصولة. وإنما قوله: `وجعلوا له من عباده جزءا` متصل بقوله: `ولئن سألتهم` [الزخرف: 87]، أي ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض، ليعترفن به. وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزءا، فوصفوه بصفات المخلوقين. ومعنى `من عباده جزءا` أنهم قالوا الملائكة بناتالله، فجعلوهن جزءا له وجزءا منه، كما يكون الولد بضعة من والده وجزءا له.
يقول ابن كثير -تعالى الله عنه- إنه يخبرنا عن المشركين وأفكارهم الزائفة والكاذبة، حيث قاموا بتقسيم بعض الأنعام على أنها لله تعالى وبعضها لأوثانهم، وكذلك أساءوا إلى البنات وجعلوهم أخفض الأبناء وأقبحهم، وذلك في إشارة إلى قول الله تعالى: “ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى” [سورة النجم: 21-22]، وفي هذا السياق قال الله تعالى: “وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين”، ثم سأل الله تعالى: “أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين”؟ وهذا يدل على إنكارهم بشدة.
ثم ذكر تمام الإنكار فقال جلَّت عظمته: وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا، يصبح وجهه مسودا وهو غاضب، أي إذا أخبر أحد هؤلاء بما صنعوه من البنات لله، ينفر من ذلك بشدة ويصاب بالغضب الشديد، ويختبئ من الناس خجلا من ذلك. ويقول تبارك وتعالى: فكيف ينفرون ويستنكرون ذلك بينما ينسبونه إلى الله عز وجل
ثم قال سبحانه وتعالى: { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [سورة الزخرف: 18] أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي، منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فهي عاجزة عَييِّة، أو من يكون هكذا ينسب إلى جناب اللّه العظيم؟ فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى، فيكمل نقص مظاهرها وصورتها بلبس الحلي، ليجبر ما فيها من نقص، وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: (ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرها سرقة).
وقوله: يقول الله تعالى: `إن الإنسان لكفور مبين`، وذلك لأن الإنسان ينكر نعم ربه المتعددة التي وهبه إياها، ويظهر كفره وجحوده للنعم، وينسى شكرها، وهذا واضح لمن يدرك ذلك بقلبه ويتأمل حاله، وعلى هذا قال الحسن البصري: `يعد المصائب وينسى النعم`.