تفسير الآية ” لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه “
{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [سورة فصلت: 42] تشريح الآية الكريمة وتوضيح معانيها البلاغية الرائعة التي تهذب النفس وتأسر القلوب.
تفسير الآية :
وقوله : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } اختلف أهل التأويل في تأويله فقال بعضهم معناه لا يأتيه النكير من بين يديه ولا من خلفه، وقيل { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } فيما أخبر عما مضى ولا فيما أخبر عما يكون، وعن جعفر رضي الله عنه، عن سعيد { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } قال: النكير من بين يديه ولا من خلفه.
وقال آخرون: هذا يعني أن الشيطان لا يستطيع تقليل شيء من الحق أو زيادة شيء من الباطل في هذا الأمر، ويقولون أن الباطل هو الشيطان، ويقال أيضا: ليس للباطل مكان في هذا الأمر لأنه جاء من رب العالمين، ويقال أيضا: ليس هناك كتاب قبله أو بعده يحتوي على كذب.
وقوله تعالى: من يد الحق وليس من خلف الباطل، وقال قتادة: الباطل هو إبليس، لا يمكن أن ينقص منه حقا ولا يزيد فيه باطلا. وقال آخرون: الباطل لا يتحمل أي زيادة أو نقصان في الحروف. وقال السدي: لا يأتي الباطل من قبله ولا من خلفه، وقال: الباطل هو الشيطان، لا يمكن أن يزيد فيه حرفا ولا ينقص.
يقول الإمام الطبري رحمه الله إن المعنى الصحيح هو أن الباطل لا يستطيع تغيير شيء من معانيه بكيده، ولا يمكنه تبديل شيء من معانيه عما هو به، وذلك يأتي من خلال الآية التي تقول “لا يأتيه الباطل من بين يديه” ولا يمكن إلحاق شيء ليس منه فيه، وذلك يأتي من خلال الآية التي تقول “ولا من خلف.
وقيل: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أي لا يكذب بأي شيء من ما أنزل الله من قبله ولا يبطل أو ينسخ بما ينزل بعده. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من بين يديه، أي من الله تعالى، ولا من خلفه، وهو يقصد به جبريل صلى الله عليه وسلم ومحمد صلى الله عليه وسلم. وقال سعيد بن جبير: لا يأتيه الباطل، أي لا يأتيه الكذب.
وقوله: {تنزيل من حكيم حميد} يقول الله تعالى: إنه تنزيل يأتي من عند صاحب الحكمة الذي يدير شؤون عباده ويوجههم فيما يحقق مصالحهم. {حميد} يعني: محمود على نعمه التي يهبها لهم بيدهم. وقيل أيضا {تنزيل من حكيم حميد} يعني حكيم في أقواله وأفعاله، وحميد يعني محمود في كل ما يأمر به وينهى عنه. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: {تنزيل من حكيم حميد} يعني حكيم في خلقه، وحميد بالنسبة لعباده.