تفسير الآية ” قال نكروا لها عرشها “
قالوا لها: أرينا عرشك لنرى هل تهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون؟ فلما جاءت قيل لها: هل هذا هو عرشك؟ فقالت: يبدو أنه هو، وقد أعطينا العلم من قبلها وكنا مسلمين. ومنعت من عبادة ما دون الله، فإنها كانت من الكافرين. قيل لها: ادخلي الصرح. فلما رأته، ظنت أنه لجة، وكشفت ساقيها. قيل لها: إن هذا صرح مرصوف من الزجاج. فقالت: ربي، إني ظلمت نفسي، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.” [سورة النمل: 41-44]
تفسير الآيات ابن كثير:
{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ}: لما جيء سليمان عليه السلام بعرش بلقيس قبل قدومها، أمر به أن يغير بعض صفاته ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته، هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس بعرشها، فقال: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ} قال مجاهد: أمر به فغير ما كان فيه أحمر جعل أصفر، وما كان أصفر جعل أحمر، وما كان أخضر جعل أحمر، وغير كل شيء عن حاله، وقال عكرمة: زادوا فيه ونقصوا.
{فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ}: : عرفت الملكة بلقيس أنه إذا عرض عليها عرش سليمان، فإنه يمتلك الثبات والعقل وله لب وحزم، لذلك لم ترتق إلى ذلك العرش بسبب بعده عنها، وقالت “كأنه هو”، أي يشبهه ويقاربه، وهذا دليل على ذكاء وحزم الملكة. قال سليمان عليه السلام “وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين”، وقال مجاهد إن هذا الكلام قاله سليمان، وأنها كانت تعبد غير الله وصدها سليمان عن ذلك، وأنها كانت من الكافرين.
قال مجاهد هذا وهو قول سعيد بن جبير، واختاره ابن جرير وابن كثير. وأنا أقول: إن هذه الآية أظهرت الإسلام بعد أن دخل الناس فيه، كما سيأتي في الآية التالية: {قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها}. والسبب في ذلك هو أن سليمان عليه السلام أمر الشياطين ببناء قصر عظيم لها من الزجاج، وجرى تحته الماء، فإذا لم يكن الإنسان يعرف ذلك، فسوف يحسب أنه ماء، ولكن الزجاج يمنع الماشين من الوصول إليه.
قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان: ثم قال لها: `ادخلي القصر لترى ملكا أعز وسلطانا أعظم من ملكك`. وعندما رأته، اعتقدت أنه بركة مائية تغمرها، وقيل لها: `إنه قصر مبني من الزجاج`. وعندما واجهت سليمان، دعاها إلى عبادة الله وحده وانتقدت عبادتها للشمس بدون الله. فقالت: `ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين`. فأسلمت وأصبحت إسلامها حسنا.
والمعنى الأصلي للصرح في العربية هو القصر أو أي بناء مرتفع. قال الله سبحانه وتعالى في سورة غافر عن فرعون اللعين: `ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب`. والصرح هنا يشير إلى قصر مرتفع في اليمن. والممرد هو بناء صلب وسلس من الزجاج. والقصد هو أن سليمان عليه السلام بنى قصرا عظيما من الزجاج للملكة بلقيس ليظهر لها عظمة سلطانه وقدرته. وعندما رأت النعم التي أعطاها الله لسليمان وعظمته، وتبصرت في أمره، أسلمت لأمر الله تعالى وعرفت أنه نبي كريم وملك عظيم. وأعلنت إسلامها قائلة: `رب إني ظلمت نفسي`، أي بسبب كفرها السابق وشركها وعبادتها للشمس بدلا من الله. وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين، أي أعتنقت دين سليمان في عبادته لله وحده دون شريك، الذي خلق كل شيء وقدره تقديرا.