تفسير أجمع آية في القرآن
يأمر الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذوي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ليعظكم ولعلكم تتذكرون.” [سورة النحل: 90]
فضل الآية:
قال الشعبي، عن ابن مسعود يقول: إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الآية [أخرجه ابن جرير الطبري]، وقال قتادة: ليس من خُلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر اللّه به، وليس من خُلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى اللّه عنه وقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها، وفي الحديث: «إن اللّه يحب معالي الأخلاق ويكره سَفْسَافها».
قال الحافظ أبو يعلى، نقلا عن علي بن عبد الملك بن عمير، الذي نقله عن أبيه: بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي، صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يزوره، لكن قومه رفضوا أن يسمحوا له بذلك وقالوا: أنت كبيرنا، لم تكن تخاف منه، فقال أكثم: فليأته شخص يبلغه عني ويبلغني عنه. فتم تكليف رجلين، وأتيا النبي، صلى الله عليه وسلم، وقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت؟ فأجاب النبي، صلى الله عليه وسلم: «أما من أنا فأنا محمد بن عبد الله، وأما ما أنا فأنا عبد الله ورسوله»، ثم تلا عليهم هذه الآية: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}.
قالوا: ردد علينا هذا القول، فردد عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم فقالا: أبى أن يرفع نسبه، فسألنا عن نسبه فوجدناه زاكي النسب وسطاً في مضر أي شريفاً وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهن أكثم قال: إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رءوساً ولا تكونوا فيه أذناباً.
وعن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاء شخص بصره فقال: `جاءني جبريل وأمرني بوضع هذه الآية في هذا الموضع في هذه السورة: `إن الله يأمر بالعدل والإحسان`.` [أخرجه الإمام أحمد في المسند].
تفسير الآية:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}: أخبر الله تعالى أنه يأمر عباده بالعدل وهو القسط، ويندب إلى الإحسان كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40]، وقال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة:45]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرعية العدل والندب إلى الفضل. وقال ابن عباس: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وقال سفيان ابن عيينة: العدل في هذا الموضع هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل للّه عملاً، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته.
{وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى }: يأمر بصلة الأرحام كما قال: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا} [الإسراء: 26]، وينهى عن الفحشاء والمنكر، فالفواحش المحرمة والمنكرات هي ما يظهر منها من فاعلها، ولهذا قال في موضع آخر: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأعراف: 33]، {والبغي}: وأما البغي فهو العدوان على الناس، وقد جاء في الحديث: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم».{يعظكم لعلكم تذكرون}: أي يأمركم بما يأمركم به من الخير وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشر.