تعريف وشروط المحتسب
تُعتبر وظيفة المحتسب من أول الوظائف التي ظهرت في الإسلام، وتعتمد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك تحقيقًا لقول الله تعالى في الآية الكريمة: ” وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
يشير المصطلح “المحتسب” إلى المسلم الذي يسعى لتطبيق مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقًا للشريعة الإسلامية وتعاليم الله تعالى. ووفقًا لمؤرخ ابن خلدون، فإن الحسبة أو الاحتساب هي وظيفة دينية تتطلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الفقهاء قاموا بتمييز بين المتطوع بالحسبة ووالي الحسبة. المتطوع هو أي شخص مسلم يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما والي الحسبة، فهو الشخص الذي يختاره الوالي ويعينه ويكلفه بمهام الحسبة. يجب توفر مجموعة من الشروط فيه قبل تكليفه بهذا المنصب، وأهمها العلم. يجب عليه أن يكون على درجة عالية من المعرفة لأداء بعض مهام الحسبة التي لا يستطيع المتطوع بالحسبة القيام بها، مثل تطبيق عقوبات ظاهرة على المنكرات. والتطبيق ليس واجبا على المتطوع بالحسبة.
لا يجوز للمتطوع بالحسبة أن يتقاضى أجرًا من بيت مال المسلمين عن القيام بهذه الوظيفة، بل يقوم بذلك تطوعًا، وأما والي الحسبة فيتقاضى أجرًا عن عمله.
يجوز لولي الحسبة تعيين مساعدين ومندوبين له، في حين أنه لا يجوز لللمتطوع ذلك، كما يجوز لولي الحسبة أن يبذل جهودًا في بعض الأمور التي تتعلق بالعرف، بينما لا يجوز له الإجتهاد.
من الذي استحدث منصب المحتسب
تطورت وظيفة المحتسب كوظيفة رسمية في الدولة عبر عدة مراحل، وتعددت مهامه على مدار السنين. فقد كان المسلمون يعملون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ عصر النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت وظيفة المحتسب معروفة إلى جانب وظيفة القاضي في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين، على الرغم من أن المحتسب ربما كان أقرب للمتطوع بالحسبة في تلك الفترة. أما في عصر الخلافة العباسية، فقد تم تعيين المحتسب من قبل الولاة وتكليفه بمهام أكبر، وأصبحت الوظيفة معروفة بين العامة. وقد كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أول من نظم وظيفة المحتسب في الدولة، وعين عددا من المحتسبين، وكل محتسب كان مختصا بسوق محدد.
يعتقد أن عمر بن الخطاب كان أول من كلف والي الحسبة بمتابعة الأسواق، وكان يمشي بنفسه ليعاقب المخالفين، ثم بعد ذلك كان يكلف أشخاصا آخرين لتلك الوظيفة.
أول محتسب في الإسلام
كان النبي، عليه الصلاة والسلام، أول محتسب في الإسلام، وفقا لتعريف وظيفة المحتسب الذي هو فرد من المسلمين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد ذكر أن النبي، عليه الصلاة والسلام، مر في السوق يوما ووجد رجلا يبيع الطعام، فوضع يده الشريفة في الطعام ووجده مبللا. فسأل صاحب الكومة قائلا: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فأجابه قائلا: لقد أصابه المطر يا رسول الله. فقال النبي، عليه الصلاة والسلام: ألا تضعه فوق الطعام ليراه الجميع.
كما أن النبي عليه الصلاة والسلام قد ولا عمر بن الخطاب ليشرف على سوق المدينة، وكذلك ولا سعد بن سعيد ليراقب سوق مكة.
وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، كان الخلفاء الراشدين يؤديون دور المحتسب بأنفسهم، فكانوا يتجولون في الأسواق لمراقبة أمور الناس ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، تولت سمراء بنت نهيك الأسدية دور المحتسب وتفقد الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
شروط المحتسب
بسبب أهمية وظيفة المحتسب، فإن الفقهاء وضعوا عدة شروط يجب توافرها في المرشح للتعيين في هذا المنصب، وتشمل هذه الشروط:
الإسلام
يجب أن يكون المحتسب من جماعة المسلمين، لأن الإسلام هو واحد من أهم شروط صحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن الاحتساب فيه يعد انتصارًا لدين الله عز وجل، ولن ينتصر كافر أو مشرك لدين الله. لذلك، يجب أن يكون المحتسب مسلمًا.
التكليف
يجب أن يكون المحتسب في الحسبة مسلمًا بالغًا وعاقلًا، وهذا الشرط يمكن أن يكون من شروط صحة الحسبة. بينما يمكن للمحتسب المتطوع في الحسبة أن يكون صبيًا غير بالغ بشرط أن يكون عاقلًا وقادرًا على التمييز بين الحق والباطل، ومدركًا لحدود الله تعالى.
العلم
يجب على والي الحسبة والمتطوع أن يمتلكا المعرفة الكاملة بجميع الأحكام المتعلقة بوظيفة الحساب، لأنه لا يجوز لغير المتخصصين القيام بالحساب. كما يجب على المحاسب أن يوافق عمله على علمه وأن يكون ملتزمًا بالسنن والفرائض.
الحرية
يشترط هذا الشرط لحاملي منصب الحسبة، أما المتطوع بالحسبة فلا يجب أن يكون حرًا، إذ يمكن للعبد أيضًا أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مادام من المسلمين، لكنه لا يجوز للعبد أن يتولى منصب الحسبة أو القضاء أو جامع العشر أو أي منصب مهم آخر.
أن يكون ذكرًا
هذا الشرط مثار خلاف، حيث تروي بعض الروايات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد شغل أم سليمان بن أبي حثمة الأنصارية في وظيفة الحساب، لكن بعض المؤرخين ينفون صحة تلك الرواية.
يمكن أن يكون المتطوع في الحسبة امرأة، حيث أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم سواء كان رجلاً أم امرأة، سواء كان حرًا أم عبدًا.
يتفق معمعظم الفقهاء على أن منصب والي الحسبة يجب أن يكون لرجل.
يجب على المحتسب أن يتمتع بصفات الرفق واللين والحزم في نفس الوقت، والورع والترفع عن قبول الهدايا حتى لا يقع في شبهة الرشوة.
اختصاصات المحتسب
- توجيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقوق الله عز وجل وحقوق البشر.
- تشمل المهام الإشراف على المعاملات التجارية، ومنع الغش التجاري والتلاعب بالأسعار، والحفاظ على سلامة النساء في الأسواق، ومراقبة الموازين.
- يُشرف على نظافة الأطعمة والمشروبات المعروضة للبيع في الأسواق.
- يتم مراقبة التجار وأصحاب الحرف مثل الأطباء وغيرهم.
- منع تناول الكحوليات في الشوارع والطرقات.
- يجب عدم تحميل الحيوانات فوق طاقتها، وينبغي على أصحاب الحيوانات الامتناع عن تحميل السفن بحمولات زائدة خوفًا من الغرق.
- مسؤولية الإشراف على صلاة الجماعة والجمعة والاهتمام بنظافة المساجد.
- يجب مراقبة العبادات مثل إيتاء الزكاة وصيام رمضان.
كان من واجب المحتسب في السابقأخذ عهدٍ من الأطباء وجعلهم يتعهدون بعدم تقديم دواءٍ مضرٍ لأحد المرضى أو نشر أسرارهم أو خرق خصوصيتهم.
كانت الحكومة السابقة تضع تسعيرًا جبريًا لبعض السلع أثناء فترات الغلاء.
كان يدعو الناس لللخروج إلى الجهاد، وكان ينادي على الناس قائلاً “النفير يا أصحاب الخيل والرجالة” عند حلول وقت النفير.
كانت مهمة المحتسبين في العصور الإسلامية الوسطى هي تطبيق العقوبات على الأمراء والمسؤولين بالمثل، وكانوا يعاملونهم بنفس القوانين التي يتم معاملة الشعب بها. ويصبح الأمر ملموسًا عندما يروى أن المحتسب قد جلد القائد علي بن نوشتكين، الذي كان من أقرب أصحاب السلطان السلجوقي محمود بن ملكشاه، لأنه تجرأ على شرب الخمر في النهار.
أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز للمحتسب أن يشرف على منازل الناس، ويجب عليه منع الأئمة من الإطالة في الصلاة حتى لا يشق على الضعفاء أداء الصلاة.