زد معلوماتك

تعريف الغوغائية

عندما تتصاعد الأزمات ويصبح من الصعب إيجاد حلول، يلجأ البعض إلى حرب الكلام وتبادل التهم. هناك أولئك الذين يستعينون بالأشخاص ذوي الضمائر وأصحاب الحكمة، وهناك من يلجأ إلى الأغبياء ويطرق أبواب العصابات. ويطلق مصطلح “العصابات” للإشارة إلى العقلية القطيعية التابعة. ومن هنا يتم استخدام هذا المصطلح اللغوي للإشارة إلى الجراد أو بعض الحشرات المشابهة للبعوض، وهي حشرات تتحرك بطريقة عشوائية ولا منطقية. ومن أهم خصائص العصابات كما ورد في كتاب سيكولوجية الجماهير، قابلية التحريض والسذاجة أو سرعة التصديق والخفة والحركية، والمبالغة في العواطف سواء كانت إيجابية أم سلبية. ويتميزون بكثرة العدد، ويكفي أن يشار إلى أحدهم بالقتل أو السلب لينسابوا مثل القطيع دون وعي أو تفكير.

جدول المحتويات

مفهوم الغوغائية

يشير مصطلح “الغوغاء” إلى الصوت العالي والضجيج والصياح المفرط، ولذلك يتم تشبيه الأشخاص الذين يصرخون ويسببون الفوضى بالجراد، حيث يتميزون بالعشوائية والفوضى والاستعجال والرجعية وعدم الانضباط، بالمقارنة بسلوك الجراد.

الغوغائية وصف لشريحة من الناس في المجتمع، يحاولون تقديم آرائهم بشكل عشوائي وغير واقعي. لديهم رؤية غريبة للأحداث ويدافعون عنها بشكل فوضوي وغير منظم، بلا عقلانية أو منطق. يدافعون عن أفكارهم بطريقة سخيفة ويعتقدون أنها الحقيقة. يتجاوزون القوانين لفرض معتقداتهم المتخلفة بتعنت واستبداد. يعتقد الغوغائيون أنهم قادرون على التعبير عن رأيهم في كل شيء وأن لديهم معرفة شاملة في جميع المجالات، ويمكنهم فهم وتحليل الأحداث بطريقة رائعة ومنطقية، على الرغم من أن معرفتهم سطحية. يعتبرون رأيهم حاسما ونهائيا ولا يقبلون أي نقاش.

وتعاني هذه الفئات من الانفعالات العاطفية التي تؤثر في طريقة تفكيرها السطحية والبدائية والتي لا تستند إلى معايير موضوعية ومنطقية، وتؤدي إلى رد فعل فوضوي متخبط يعتمد على الصراخ والتعصب، ومع مرور الوقت، تصبح الشغب سمة ترافق المجتمعات المتخلفة، حيث يمكن رؤيتها في الشوارع والمؤسسات والخدمات ومراكز القرار والتعليم والعلاقات العامة، لتصبح هذه طابعا عاديا معتادا في تلك المجتمعات، وتحل محل القانون والتنظيم، والضوضاء العالية تكون حاضرة بوجودهم، وإذا تم تجاوزهم يستمرون في الفوضى، لفرض أمر ما بأي طريقة.

من هو الشخص الغوغائي

يتميز الغوغاء بالتحريض والسذاجة والاستجابة السريعة للإثارة والمبالغة في العواطف، وغالبًا ما تظهر أصواتهم بشكل هياج محموم لا يمكن السيطرة عليه، وقد وصفهم أحد المفكرين بأنهم “الرعاع” بسبب كثرة لغطهم وصياحهم.

كما عرفهم الإمام علي رضي الله عنه في نهج البلاغة فقال: يتميز هؤلاء الأشخاص بأنهم يضرّون عندما يجتمعون، وينفعون عندما يتفرقون، وقد تم التعرف على ضرر اجتماعهم، ولم يتم التعرف على فائدة انفرادهم، ولكن يعود أصحاب المهن إلى مهنهم، ويستفيد الناس منهم مثلما يستفيد البناء من العودة إلى عمله، والنساج من العودة إلى عمله، والخباز من العودة إلى مخبزه

وعرَّفهم عبد الرحمان الكواكبي في طبائع الاستبداد بقوله: يعد أفراد ضعاف القلوب، وكأنهم بقرٌ في الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، نموذجًا يستخدمه المستبد كبائع غشٍّ، لكنه لا يعرضهم لأي مهمة، إنهم مجرد مصحف في خمارة أو سبحة في يد زنديق، ولذلك يُقال إن دولة الاستبداد هي دولة بُلهاء وأوغاد.

كارل ماركس وصف الأشخاص الذين يعيشون على هامش الطبقة العاملة ويستخدمونهم الزعامات لتحقيق أجندتها بمصطلح `اللومبنبروليتريا`. يعتبر هذا المصطلح وصفا للطبقة التي تقع أدنى من الطبقة العاملة، حيث لا يمتلكون أي وعي ولا يسهمون بشكل فعال في الإنتاجية أو الحياة الاجتماعية، ولا يلعبون دورا فعالا في النضال الثوري. وهم عرضة لـ `بيع أنفسهم للرجعية` نتيجة لظروف حياتهم وأسلوب عيشهم. ويؤكد ماركس أن الجماهير عموما تفكر بشكل غير منطقي، ويعتبر اللومبنبروليتريا فئة الأدنى في المجتمع، حيث تتزحزح هذه الطبقة بسهولة بلا وعي أو تفكير.

و رأى المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون أن تلك الجماهير تحتاج إلى من يقودها ويقدم لها الحماية، كونها “قطيع لا يستطيع الاستغناء عن راعٍ يقوده”، ومن يقدم لهم الأكاذيب و الوهم، يُصبح قائدًا لها وهذا ما ذكره في كتابه الشهير سيكولوجية الجماهير، حيث يرى لوبون أن الجماهير تعتبر القوة المهمة في هذا العصر، لكن يجب أن يدرك البعض بأن هؤلاء الغوغائيين دائماً غير عقلانيين و فوضويين، و دورها لا يكون في البناء إنما في الهدم، لان معظم الحضارات تمّ بنائها من قبل قلة أرستقراطية قليلة وليس من قبل الجماهير، وان كل الحضارات التي دمرت كان الدور الأكبر في تدميرها يلعبه الغوغائيين.

يعتبر هذا الكتاب نظرة شاملة لنفسية الجماهير التي تدعونا حقا للتفكير في ما يحدث في مجموعات الجماهير الصاخبة وكيف يمكن للمحرك والقائد الذي يبدو أقل ذكاء وأقل عقلانية أن يحرك هذه الجموع ويوجهها لتحقيق أهدافها بدون وعي أو عقلانية. يوضح الكتاب لنا تلك الأدوات التي يمكننا استخدامها للتأثير مباشرة على نفسية الجماهير وتوجيهها إلى ما نرغب فيه .

كيف يتم إقناع الغوغائيين

الجمهور هو مجموعة من الأفراد لا يمكن الاستغناء عن سيد لهم، والشخص العدواني بغض النظر عن ثقافته ومعتقداته يجب أن يكون تحت قيادة شخص آخر، وعادة ما لا يقتنع هؤلاء الأشخاص بالحجج المنطقية والعقلانية، بل يفرضون ذواتهم بالقوة ويجذبون الآخرين بجاذبية كلامهم وهيبتهم الشخصية، تماما مثل الطبيب الذي ينوم المريض بالمغناطيسية، ومن بين الأدوات الرئيسية التي يستخدمها المشغلون والقادة هي لغة الصور المعبرة والمجازية أو لغة الشعارات البسيطة والقاطعة التي تفرض نفسها دون مناقشة، واستخدام الكلمات والعبارات المؤثرة التي يمكنها أن تثير عواطف الجماهير مثل الإعصار، وهم يعرفون أيضا كيفية تهدئة هذه العواطف، على سبيل المثال الكلمات التالية: الديمقراطية، الاشتراكية، المساواة، حرية وما إلى ذلك… هذه الكلمات بشكل خاص تمتلك قوة سحرية كبيرة وتؤثر على العديد من الأشخاص.

هناك من يستخدم الفكرة والمحاجة المنطقية وقوانين العقل والبرهان، وهناك من يستخدم الخيال والوهم والتحريض. والغوغائيون، بشكل خاص، لا يقتنعون إلا بالصور الإيحائية والشعارات الحماسية لإقناع الجماهير وقيادتها بما يشاء القائد ويشتهي. ويجعلهم يتبنون الأفكار دفعة واحدة دون نقاش أو معارضة. وبالتالي، تصبح هذه الجماهير مستعدة للتضحية بأنفسهم من أجل المثال الأعلى الذي حرضوا عليه، ولا يعرفون سوى العواطف العنيفة والمتطرفة.

ما هي صفات الغوغائيين

عندما يكون الفرد معزولا ربما يكون إنسانا مثقفا متعقلا، ولكنه ما إن ينضم إلى الجمهور حتى يصبح مقودا بغريزته، وبالتالي همجيا، و يصبح من السهل تأثره بالكلمات و الصور التي تقوده إلى اقتراف أعمال مخالفة لمصالحه الشخصية، ويصبح بذلك مثل حبة رمل تذروها الرياح على هواها بسبب سذاجته و تصديقه لأي شيء.

الشخص الغوغائي هو الشخص الذي يفتقر إلى الوعي والفهم، وهو مستبد ومتعصب، ومغمور بالجهل، ويتميز بالتملق والنفاق، ويتبع بسهولة وعودا كاذبة أو آراء مزيفة، ولا يهتم بالأخلاق والمبادئ بأي شكل، فهم ينتمون إلى القشور الاجتماعية التي لا تهتم بالقيم والأخلاق، ويميلون إلى الفوضى والعشوائية، وما يجذبهم هو الشهرة والمنفعة المادية فقط، لذا يكون الرعاع والمرتزقة والجهلة هم الدافع للفساد وتدمير أي تقدم اجتماعي جميل، وقائدهم هو خصم للوعي والتفكير، والغوغائيون هم سلاحه المنفذ، وعدوه الأول هو الثقافة والوعي، لأنهم يتكاثرون وينشطون في الظلام مثل الظباء.

و من السهل أن يخضع الشخص الغوغائي لتحريضات  و ايعازات من احد المحركين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض رأيه عليه، فهو يستخدم الصور الموحية و الشعارات الواهية بدلا من الأفكار المنطقية و الواعية، لذلك يسهل عليه استملاك روح الجماهير و يسيطر عليها لأنهم عبارة عن أشخاص بدون عمل مستبعدين من ساحة المجتمع الفعلية، كما أنهم مجانين بطبعهم ومهووسين فإذا أحبت دينا أو رجلا تبعته حتى الموت بكل شغف وتعصب.

ويبقى السؤال الأهم بالنسبة للغوغائيين من الشباب والأطفال والرجال والنساء الذين يطالب الجميع بملاحقتهم وردعهم، هل يمكن اعتبارهم ضحايا تركوا للنهب على يد المحرضين والمتعصبين، حيث يُغسلون أدمغتهم من كل إنسانية ويتم حقنها بالهوس والتعصب؟

يجب أن يشارك المجتمع بفئاته المختلفة في معركة مكافحة الجهل والتخلف من خلال توفير بيئة مناسبة للعلماء والأدباء والعقلاء. هذه المعركة هي واحدة من أنبل المعارك، حيث لا تراق فيها دماء الأبرياء ولا تضيع الأرواح بدون ذنب محدد، ولا تدمر فيها البيوت، بل يتم فيها بناء الإنسان الحضاري الحديث القادر على الحوار العقلاني والمنطقي وتحقيق التغيير المرجو بوعي وموضوعية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى