تعريف الذكاء السائل والذكاء المتبلور .. والفرق بينهما
نظرية الذكاء لكاتل
كان ريموند كاتيل (1905-1998) عالم نفس بريطاني وأحد أكبر المؤلفين في علم النفس في القرن العشرين، ليس فقط بسبب إنتاجه الأدبي الكبير الذي دفعه لكتابة أكثر من 55 عملا و500 مقالة في المجلات المتخصصة والعامة، ولكن أيضا بسبب إبداعه في أحد أشهر النظريات حول الذكاء في التاريخ.
أنشأ ريمون كاتيل في الستينيات تصنيفًا جديدًا للذكاء ينقسم إلى مجموعتين سائل ومتبلور اعتمادًا على ما إذا كان موروثًا أو مولودًا من التجربة على التوالي، الذكاء هو أحد أهم المفاهيم في عالم علم النفس، والمثير للدهشة أنه أحد أقل المفاهيم فهماً، إن تعريف الذكاء بحد ذاته معقد وغير موضوعي جزئيًا.
يمكن دراسة وفهم مجموعة القدرات العقلية والقدرات الاجتماعية والعاطفية التي نفهمها على أنها “ذكاء” من وجهات نظر مختلفة تمامًا، ويمكن طرح أسئلة حول الذكاء مثل:
- ما هو المقصود بالذكاء وما هي علاقته بسرعة حل المشاكل؟
- وما علاقة الذكاء بالإبداع؟
- أو القدرات العقلية الحسابية السريعة؟
- ما هو العلاقة بين الذكاء والذكاء العاطفي وفهم مشاعر الآخرين؟
- ما هو علاقة الذكاء بسرعة التعلم والقدرات العالية للحفظ
- ما هي العلاقة بين الذكاء والقدرة على التفكير النقدي؟
في هذا السياق، تم محاولة العديد من النظريات وجميعها صالحة من حيث إطارها النظري حيث تقدم نماذج تفسر العناصر المختلفة للذكاء وطبيعتها، ومن أشهر هذه النظريات بالتأكيد النظرية التي وضعها ريمون كاتيل في منتصف الستينيات.
اقترح هذا العالم النفسي في ذلك الوقت تمييزا جديدا جدا للذكاء في عنصرين: الذكاء السائل والذكاء المتبلور، أحدهما له أصله في علم الوراثة والآخر في التجارب، تصف نظرية كاتيل هورن للذكاء هذه المجموعة من القدرات العقلية على أنها مجموع عنصرين
- الذكاء السائل.
- والذكاء المتبلور.
تعريف الذكاء السائل
الذكاء السائل هو أحد العنصرين التي تشكل جنبا إلى جنب مع الذكاء المتبلور. فالذكاء البشري، وفقا لنظرية كاتيل، هو الذكاء المرن، ووفقا لعالم النفس البريطاني، هو الذي يسمح لنا بالتكيف مع المواقف الجديدة بطريقة مرنة دون الحاجة إلى التعلم أو الخبرة أو المعرفة المسبقة.
بهذا المعنى، الذكاء السائل هو الذي يعتمد على المهارات العقلية المستقلة عن التجربة، والتي تسمح لنا بالتفكير النقدي وحل المشكلات بشكل غريزي، دون الحاجة إلى تعليم مسبق.
يستند الذكاء السائل على علم الوراثة، حيث يمثل شكلًا من أشكال الذكاء وجوهره في ترميز جيناتنا، والتي تحدد في النهاية سلسلة من المتغيرات الفسيولوجية العصبية التي تمكننا من التعامل مع المواقف وحلها بدون خبرة.
يعتبر العنصر الذي يزيد من الذكاء عند نمو الدماغ ووصوله إلى أقصى درجات التفوق عندما نصل إلى الذروة بمزيد من الوصلات العصبية عنصر ذكاء، ويحدث ذلك عادة عندما نصل إلى سن العشرين، ثم ينخفض تدريجيا مع التقدم في العمر وانخفاض حركية الأعصاب مع مرور الوقت.
يمنحنا الذكاء الانسيابي المهارات الأساسية للتفكير الاستقرائي، وهو القدرة على الوصول إلى فرضيات عالمية بدءًا من الملاحظات المعينة، والتفكير الاستنتاجي الذي يبدأمن المقدمات العامة ويصل إلى استنتاجات محددة. وهذان الشكلان من أشكال التفكير يعتبران أساسيين للمهام العلمية والمنطقية لحل المشكلات.
يشير مصطلح الذكاء السائل في نظرية كاتيل إلى عنصر الذكاء الذي يتأثر بوراثة الجينات ويمكِّننا من حل المشكلات بالاستنتاج الاستدلالي، دون الحاجة إلى معرفة مسبقة أو تجربة معينة، وبمعنى آخر، يعتبر الذكاء السائل ذكاء فطري للإنسان.
تعريف الذكاء المتبلور
يشكل الذكاء المتبلور بالإضافة إلى الذكاء السائل عنصرين من عناصر الذكاء البشري وفقًا لنظرية كاتل، ويعني الذكاء المتبلور وفقًا لعلماء النفس البريطانيين الذي نطوره مع مرور الوقت عندما نكتسب معرفة جديدة وتجارب حية ونتعلم من أخطائنا .
يعتمد الذكاء المتبلور على علم الوراثة، حيث تدخل القواعد الجينية في الخلفية ولا يوجد أصل واضح في الفسيولوجيا العصبية البحتة للدماغ. ولكن في الروابط العصبية الجديدة التي يصنعها الإنسان وهو يعيش ويتعلم ويتدرب، تلعب الوراثة دورًا في صقل الذكاء المتبلور.
تتضمن الذكاء المتبلور عملية معرفة مسبقة وتجربة الخبرات التي تنتهي بتشكيل تصورنا للعالم، وتمنحنا الأدوات غير الفطرية اللازمة لأداء مهام مختلفة.
كل ما نتعلمه مع مرور الوقت والذي يتطلب الخبرة يشكل ذكاءًا متبلورًا، مثل التوجه في الفضاء، والمعرفة والمهارات الميكانيكية، وتطوير اللغة، والقدرة على اتخاذ القرارات.
الذكاء المتبلور هو شكل من أشكال الذكاء الذي يتزايد بمرور السنين، حيث يزداد بزيادة عدد الخبرات التي نكتسبها ونتعلم منها، ونتعلم من أخطائنا ونتدرب ونكتسب المزيد من المعرفة والتعليم. لذلك، يتحسن الذكاء المتبلور بمرور الوقت، بينما الذكاء السائل يعتمد على القدرة على حل المشاكل والتكيف مع الوضع الحالي في الوقت الحاضر.
باختصار، الذكاء المتبلور هو جزء من نظرية كاتيل، ينشأ من التجربة ويسمح لنا بإنشاء علاقات دلالية معقدة، وتطوير لغتنا اللفظية وغير اللفظية، وفهم العالم من حولنا ودمج المعرفة الجديدة، وتطوير المهارات الميكانيكية، واتخاذ قرارات مستقلة بمستقلية عن الوراثة، ببساطة هو الذكاء التكيفي غير الطبيعي.
الفرق بين الذكاء السائل والذكاء المتبلور
بعد تحديد كلا المفهومين بشكل فردي: بعد التحديد الفردي لكل مفهوم، يصبح واضحا أن الاختلافات بين الذكاء السائل والذكاء المتبلور أكثر وضوحا، وإذا كنت ترغب أو تحتاج إلى الحصول على المعلومات بشكل أكثر بصرية، فقد أعددنا مجموعة مختارة من النقاط الرئيسية التي تشرح الاختلافات بين هذين العنصرين في نظرية كاتيل.
1. الذكاء السائل فطري والمتبلور تكيفي
نحن كبشر نمتلك الذكاء السائل كعنصر فطري لذكائنا، وهو مجموعة من المهارات في حل المشكلات والتفكير المنطقي التي نمتلكها.
من جهة أخرى، الذكاء المتبلور هو تكيف متطور وليس شيئًا فطريًا، إنه عنصر الذكاء الذي لا يأتي مجردًا لأنه جزء من كوننا بشرًا، بل يحتاج إلى الجهد والتطور مع مرور الوقت، وبمعنى آخر، فإنك تولد بالذكاء السائل، ويتم تطوير الذكاء المتبلور عبر الجهود المستمرة.
– “يعتمد الذكاء السائل على الوراثة، بينما يتطلب الذكاء المتبلور التجربة
يتميز الذكاء السائل بأنه يعتمد على التراث البيولوجي الذي يحمله الجينات، حيث تتحكم هذه الجينات في جميع العمليات التي تحدد فسيولوجيا الأعصاب لدينا وتمنحنا بالتالي القدرات الفكرية التي تشكل الذكاء السائل بشكل خاص.
يتشكل الذكاء المتبلور من خلال الخبرة والمعرفة التي نحصل عليها من البشر الآخرين، ولا يعتمد فقط على قواعد فسيولوجية عصبية أو علم الوراثة. ومن ناحية أخرى، لا يعتمد الذكاء السائل على الخبرة فحسب، بل يعتمد على قدرة الفرد على حل المشكلات والتعلم بسرعة.
مع تقدم العمر، يزداد “الذكاء المتبلور” ويقل “الذكاء السائل
الذكاء المتبلور هو عنصر من عناصر الذكاء المرتبطة بالخبرة، ويعتمد بشكل أقل على الفسيولوجيا العصبية مقارنة بالذكاء السائل، وبالتالي فإنه يزداد مع تقدم العمر، ومع مرور الوقت نتعلم المزيد ونكتسب خبرات أكثر، مما يؤدي إلى تحسن الذكاء المتبلور.
من ناحية أخرى يعتمد الذكاء السائل بشكل أكبر على خفة الحركة في الاتصالات العصبية المشفرة بواسطة الجينات، لذلك على الرغم من وصولها إلى ذروتها في سن 20 (تقريبًا)، منذ تلك اللحظة فصاعدًا فإنها تبدأ في الانخفاض، ونفقد المزيد والمزيد من الصحة على مستوى الفسيولوجيا العصبية، لذلك ينخفض أيضًا هذا الذكاء الفطري.
على الرغم من أن ذروة ذكاء السائل تحدث عند سن 20، إلا أن الشخص الذي يطور الذكاء المتبلور يستطيع القيام بذلك حتى في سن 60-70، وهذا يعني أن الذكاء المتبلور يستمر في الارتفاع حتى هذا العمر.
يتم تطبيق كل نوع من الذكاء على مناطق مختلفة، ويسمح الذكاء الانسيابي السائل لنا بالتفكير في حل المشكلات بشكل تجريدي وغريزي، من خلال الاستدلال الاستقرائي والاستنتاجي.
– يُعَدُّ الذكاء المتبلور أكثر تعقيدًا، إذ يتعلق بالقدرات الفكرية المرتبطة بتطوير اللغة وفهم العالم الذي يحيط بنا ودمج المعرفة الجديدة والتعلم من التجربة وتنمية المهارات.
الذكاء المتبلور يتطور، أما السائل فلا
كما لاحظنا، الذكاء المتبلور هو جزء من عناصر الذكاء يتطور مع مرور الوقت ويتشكل وفقا للتجارب التي نمر بها والمعرفة والمهارات التي نتعلمها. إنه مستمر معنا طوال الحياة ويتغير باستمرار. أما الذكاء السائل، فهو محدود بالوراثة ولا يتطور، حيث يتغير أثناء نمو الدماغ في سن الطفولة، ولكن بعد أن يصل إلى ذروته في العشرينات كما ذكرنا سابقا، فإنه لا يتطور فقط بل يتراجع أيضا.