امثلة بلاغية من القرآن الكريم
لا يمكن أن يكون هناك كلام أروع ، وأدق ، وأبلغ من كلام الله – عز وجل – الذي أنزله على النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وتحدي ببلاغته وفصاحته العرب ، والعجم ، أن يقدروا على أن يأتوا بأية واحدة مثل آياته ولم يفعلوا ، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لن يقدروا على ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فهذا هو الإعجاز الحقيقي ، فكل آية من آية القرآن بها بلاغة ، وفصاحة وبيان لا يقدر بمال ، ويجب أن يعيش المسلم مع هذه الآيات ، لا أن يقرأها فقط ، وأنما يتدبر في معانيها ، وبلاغتها ، حتى يقدر عظمة كتاب الله – عز وجل – .
نماذج من بلاغة القرآن
يحتوي القرآن الكريم على العديد من النماذج البلاغية التي يمكن أن تتحدى بها العالم بأسره، ومن أمثلة هذه النماذج:
لا ترادف في القرآن الكريم
- يرون أهل اللغة والبلاغة في القرآن الكريم عدم وجود ترادف، وأن الكلمات المستخدمة بها تحتوي على معان كثيرة تجعلها غير مترادفة .
- الترادف هو وجود كلمتان أو أكثر بنفس المعنى لكن بلفظ مختلف، وهذا يعتبر من بلاغة وفصاحة اللغة العربية .
- ومن الأمثلة على الفروق البلاغية فيما يعتقد أنه ترادف في القرآن: الخشية والخوف: حيث أن الخشية والخوف ينظر إليهما في الحياة الطبيعية على أنهما بمعنى واحد، ولكن الحقيقة أن لهما معاني مختلفة. فيقول الله -تعالى-: (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب). فالخشية هنا تعني أنهم يهابون الله – عز وجل – ويحترمونه ويعظمونه، أما الخوف فهو من الحساب والسوء .
- كما جاء في مثال أخر في القرآن الفرق بين العباد والعبيد : فإن الله – عز وجل – عندما يريد أن يتحدث عن عباده المؤمنين فأن يقول لفظ العباد ، أي عباد لله أما حين يطلق اللفظ فأنه يراد به العبيد كلهم المسلم ، والكافر ودليل ذلك قوله تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، وعند استخدام لفظ عبيد قال سبحانه : (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).
- كذلك فأن لفظ الغيث والمطر قد يظن البعض أنهما بمعنى واحد ولكن في الحقيقة فأن الله – عز وجل – لا يذكر الغيث إلا في مواطن الرحمة والنعيم ولا يذكر المطر في في مواطن الحساب ، والعقاب كما في قوله – تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾ ، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ ، ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ﴾ أما عن لفظ المطر ؛ قال – سبحانه -: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ ، وقال – تعالى -: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ ، وقوله – عز اسمه -: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾
الصور البلاغية في القرآن الكريم
الصور البلاغية في القرآن الكريم متنوعة ومنها :
التصوير الحسّي المتسلسل
قال تعالى: (سنجمعهم والشياطين ثم نحضرهم حول جهنم جاثين، ثم سنختار من كل شيعة من هو أشد على الرحمن عتيا). في هذه الآية الكريمة، الله – عز وجل – يصور للقارئ حساب يوم القيامة بشكل واضح متسلسل من الحضور للحساب وحتى دخول أهل النار إلى النار .
التخييل الحسي
وهو المتمثل في صورة الشيء الذي يتحرك رأي العين ، وكأن القارئ المتدبر ، المتمعن في آيات الله يرى ما يحدث من حركة يصورها الله – عز وجل – في آياته ومن أمثلة ذلك قول الله -عزّ وجلّ-: (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)؛ فكلمة اهتزت توحي بأن الأرض عادت لها الحياة بعد موتها وخاصة بعد اتصالها بالضمير التاء.
آيات بلاغية في القرآن
- عندما سمع عتبة بن ربيعة هذه الآيات بهذا الترتيب الرائع والدقة والجمال، لم يتمكن من وصف هذا الكلام الذي نزل من قبل الله عز وجل. كاد أن يجن من حلاوته، فليس هو من الشعر لينسب إليه، ولا من السحر. والبلاغة في هذه الآيات أن الله عز وجل ينقلنا من موضوع إلى آخر دون تغيير نسق الآيات أو تبديل النغم الرائع الذي يصل إلى القلوب. ولا يتغير أسلوب المخاطبة للعامة بغض النظر عن الأزمنة والأماكن .
- قال تعالى: قالت نملة: `يا أيها النمل، ادخلوا مساكنكم، لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون`، وفي البلاغة في هذه الآية تتمثل في النداء في قولها `أيها`، والتنبيه والأمر والنهي والتخصيص والعموم والإعذار، من غير ركاكة في ألفاظ القرآن الكريم ولا تنافر، فلا تشعر أنك قد مللت من الألفاظ أو الآيات وأنت تستمع لها، رغم كل ما في الآية من أغراض بلاغية .
- وفي قصة يوسف -عليه السّلام- قال تعالى : في قصة نبي الله يوسف – عليه السلام -، لم يقل الله – عز وجل – إن الذئب افترسه، بل قال `فأكله الذئب`، وذلك للدلالة على عدم بقاء أي شيء من أثر نبي الله يوسف – عليه السلام – بعدما افترسه الذئب .
- وفي قصة موسى -عليه السّلام- مع المرأتين ، قال تعالى : جاءت إحدى النساء تسير بحذر، ولا يجوز أن يقال أنها تسعى على استحياء لأن السعي يتطلب السرعة والحركة النشطة، مما يجعلها غير مناسبة للاستحياء، على عكس المشي .
أسرار البلاغة في القرآن الكريم
تتنوع الأسرار البلاغية في القرآن الكريم وتكثر جدًا، ولا يمكن حصرها في مجلدات كبيرة، ومن بينها:
- قوله – تعالى – حكاية عن موسى – عليه السلام – عندما قتل رجلاً من آل فرعون ، وفضح أمره وأراد أن يهرب من المدينة قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ ، فجاء في الآية الكريم اسم ، وفعل ، وليس فعلين أو أسمين فلم يقل الله – عز وجل – فخرج منها يخاف يترقب ، ولا قال – عز وجل – خائفاً مترقباً ، وأنما عبر عن الخوف بالاسم لأنه يدل على الملازمة ، وهذا لأن الخوف كان ملازماً لسيدنا موسى في هذا الوقت ، أما الترقب فأنه يكون من وقت إلى أخر وليس طوال الوقت يلتفت الشخص حوله ويبحث عن من يراقبه فيترقب فعل مضارع يدل على التجدد والاستمرار .
- وأنظر إلى اختيار لفظ (آنست) على (أبصرت) في حديث القرآن عن سيدنا موسى – عليه السلام – يقول – سبحانه -: ﴿ فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا ﴾ ، ويمكن لك قبل التأمل أن تشك في أن لفظ أبصرت أفضل في هذا المقام من أفضل من آنست ومناسب له أكثر ، ولكن في حقية الأمر أنك لو تأملت في حال سيدنا كموسى عليه السلام وهو في الصحراء ولا يجد له من يؤانسه على مواصلة السير ، والطريقة مظلمة ستجد أن المقام يقضي كقوله تعالى آنست أكثر من أبصر .