اسلاميات

المدة التي صامت فيها مريم عن الكلام

صوم مريم عن الكلام

يقول الله تعالى في سورة مريم الآية 26: `فكلي واشربي وقري عينا ۖ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمٰن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا`.” صدق الله العظيم. وصوم مريم في هذه المناسبة كان لأن الله يرغب في شفائها بنفسه من خلال نبيه عيسى وهو طفل في المهد، دون أن تتحدث هي. أمر الله إياها بالصمت وترك الأمر له، فألهم الطفل الذي كان في المهد أن يتكلم، وكان ذلك معجزة لقومها. إن السيدة مريم لو تكلمت لم يصدقها قومها، ولكن عندما تكلم عيسى عليه السلام في المهد وهو طفل، كان هذا أمرا مختلفا ويستحق التصديق، لأنها كانت معجزة سماوية إلهية خالصة، حيث ينطق رضيع مولود ليشفي أمه الطاهرة النقية الشريفة.

مدة صوم السيدة مريم عن الكلام

صوم السيدة مريم عن الكلام كان توجيها من الله عز وجل لكي يبرئها أمام قومها، وهذا مشهود في قوله تعالى: `فكلي واشربي وقري عينا ۖ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمٰن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا (٢٦) فأتت به قومها تحمله ۖ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا (٢٧) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا (٢٨) فأشارت إليه ۖ قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا (٢٩) قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا (٣٠) وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (٣١) وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا (٣٢) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا (٣٣)

لم يتم تحديد وقت محدد لصيام مريم عن الكلام، ولكن ذكر أنها صامت لبضع دقائق فقط عندما كان سيدنا عيسى طفلًا رضيعًا وتكلم مع قومه.

الصوم عن الكلام في الإسلام

الدين الإسلامي الحنيف هو دين التشريعات، حيث يوجد لكل أمر في الدين الإسلامي قانون. ويجد المسلم كافة أموره في دينه، ومن الأمور التي يعتقد الناس أنها حسنة هو الصوم بشكل عام. فالصوم من الأمور المستحبة والفرائض الواجبة، ولا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب فحسب، بل يشمل أيضا الامتناع عن جميع الأمور السلبية والشهوات وكل ما يبعد بين المسلم وربه، وذلك لتجربة لذة الدين الإسلامي.

في الدين الإسلامي الذي شرعه الله عز وجل، الصوم يعني الامتناع عن الطعام والشراب واللغو والجنس والشهوات المحرمة، حتى لو كان المرء في وقت الصيام، والهدف من الصيام هو التقرب إلى الله عز وجل والابتعاد عن ما يبعد المرء عن ربه.

في الحياة العادية، لا يوجد تشريع في الدين الإسلامي يمنع الكلام العادي، وليس من العبادة أن يصوم الشخص عن الكلام، ولكن يجب عليه أن يمتنع عن الكلام غير المرضي لله، سواء في الأيام العادية أو خلال فترة الصيام، ويشمل ذلك التحدث في اللغو وعدم ارتكاب المحرمات.

وفي هذا السياق يقول الشيخ بن عثيمين: في الجاهلية كانوا يدينون لله عز وجل بالصمت حتى الليل، أي يقوم الإنسان من نومه في الليل ويبقى صامتا ولا يتكلم حتى غروب الشمس. وقد نهى المسلمون عن ذلك لأنه يؤدي إلى ترك التسبيح والتهليل والتحميد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة القرآن وغير ذلك، وهذا الفعل كان من عادات الجاهلية، لذلك نهي عنه. فلا يجوز للإنسان أن يصمت حتى الليل، وإذا نذر أحدهم ذلك فإنه لا يجوز له أن يفعله، بل يجب عليه أن يفسخ النذر ويكفر بكفارة يمين. وإذا تكلم الإنسان، فلا يتكلم إلا بخير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.

يعني أن صيام الكلام كان من عادات الجاهلية التي لم يرضها الله تعالى، فلا يجوز لأي شخص أن يمتنع عن الكلام ويدعي أنه صائم عنه في أي موقف، سواء كان مع زوجته أو أولاده أو في عمله، لأن ذلك يتعارض مع شرع الله، وهو عادة للجاهلية كانوا يصومون بها عن الكلام بطريقة تشبه صيام رمضان عن الطعام والشراب.

وختاما، لا يوجد تشريع ديني يفرض الصوم عن الكلام، بل هو أمر مكروه لأنه يؤدي إلى قطع العلاقات بين الناس، وتقليل الود بينهم، وهو عادة سيئة، ولكن يجب الامتناع عن الحديث في الأمور السلبية والأعراض والكلام المسيء للآخرين بشكل عام.

الصوم عن الكلام في القرآن

ذكر الصوم في القرآن فيما يتعلق بالأنبياء والصالحين، كدلائل وعلامات وأمور من الله عز وجل، ولم يستخدم الصوم كدليل على التقرب إلى الله أبدا. ذكر الصوم في نصوص القرآن في حالات مثل مريم وسورة آل عمران، ولكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يأمر به. وعلى الرغم من ذلك، كان الرسول الكريم يطبق كل الشروط والأحكام والعبادات التي ينبغي علينا اتباعها بعده، وهو القدوة التي يحتذى بها الناس.

لم يتم ذكر الصوم عن الكلام في الدين الإسلامي أو القرآن الكريم إلا في مواضع محددة، ولكن صيام الكلام لا يقرب الإنسان إلى الله عز وجل، ويدل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولا صيام يوم فيه كلام إلى الليل.

وروى الإمام البخاري رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على امرأة من أهل أحمس، يقال لها زينب، فرأى أنها تتكلم، فقال لها: “لماذا تتكلمين؟”، فقالوا: “حجتها مصمتتها”. فقال الصديق لها: “تكلمي؛ فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية

الصوم الذي يجب على العبد الصوم له، هو الصوم عن كل ما يؤذي الناس وكل شر، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: `ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت`.

وقد ذكر القرآن الكريم بوضوح ذلك في قوله تعالى: `لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً`.

طريقة صيام ذكريا عن الكلام

ذكر في القرآن الكريم أن سيدنا زكريا صام ولم يتكلم لثلاثة أيام، وذلك في قول الله تعالى في سورة آل عمران آية 41: `قال رب اجعل لي آية`، فأجابه الله: `آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا`. ويعتقد البعض أن سبب صيام زكريا لثلاثة أيام كان لحمل زوجته، ولكن في الحقيقة كان ذلك دليلا وآية من الله تعالى على حمل زوجته، بعدما نبأه الله بمولود اسمه يحيىٰ.

في ذلك الوقت، طلب زكريا عليه السلام من ربه أن يعطيه دليلاً على حمل زوجته، فتوقف زكريا عن الكلام ولم يتمكن من الحديث للناس، ولكنه تحدث باستخدام عينيه وشفتيه وحاجبه، ولكن لم يستطع أن يلفظ أي كلمة بل توجه للعبادة والشكر والحب لله الواحد القهار.

الصوم عن الكلام ابتغاء الذرية

يظن الكثير من الناس أن صومهم عن الكلام أحد أمور العبادة التي تجلب لهم الذرية، أقتضاء بنبي الله زكريا، ولكن الأمر مختلف، فلا يعبد الله عز وجل، بما لا يشرعه لنا، فلا يوجد في القرآن الكريم ولا في السنة النوية الشريفة ما يمنع الحديث لأي سبب، ولا يعتبر من سبل التقرب لله في شيء.

أما بالنسبة لنبي الله زكريا، فقد ذكرت آيته في القرآن عدة مرات، وكانت تلك علامة على حمل زوجته وبشارة بذلك، أما الرزق والإنجاب فيمكن طلبهما من خلال الطاعة والدعاء، حيث يمكن طلب الذرية بقول “رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين”، وهذا هو دعاء نبي الله زكريا، ويجمع أهل العلم على أن طلب الرزق وغيره يحقق من خلال ممارسة العبادات والطقوس المشروعة في الدين الإسلامي، وأما خلاف ذلك، فلا يعتبر من وسائل التقرب أو العبادة في أي شيء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى