ادبفنون

الفريسكو في الفن القبطي

تستخدم كلمة `فريسكو` للإشارة إلى التصوير الجداري، والذي يكون على الجدران بأيقونات ورسومات مصنوعة من المواد الجبسية. ولكن هذه الكلمة لا تنطبق فعليا إلا على الأعمال التي تكون جاهزة لصب العجين عليها، بما يميزها عن أعمال القدماء المصريين الأخرى. ولا تزال هذه التقنية قائمة حتى الآن دون تغيير أو تطوير، حيث تعتمد على وضع ألوان مائية مركبة من السيليكات على طلاء جداري رطب مكون من خليط الرمل والكلس. وبعد جفاف هذه العملية الكيميائية، يتكون سطح جديد صلب يشبه الإسمنت، ويمكن تنفيذ عدة أشكال ومناظر مختلفة باستخدام قوالب متعددة .

الكثير من المهتمين بالفنون وجمالها وتعددها لا يعرفون أن فن التصوير الجداري من أقدم الفنون، وربما بدأ هذا الفن “الفريسكو”، عندما لمس ذلك الإنسان القديم جدار كهفه بأصابع يده الملوثة بالطين بعد الانتهاء من أعمال المنزل أو غيره وكان أيضا يستخدم أكفف يده في غرسها بالدماء وطبعها علي الجدران والتي أصبحت هذه العادة موروثة تجنبًا للحسد أو زيادة البركة، فتركت أثرها على جدار الكهف ومما لفت نظره أهمية هذا الاكتشاف للتعبير بالصور الجدارية عن المخاوف والمشاعر المختلفة كما ذكرنا، فأخذ يصورعلى جدران كهفه الحيوانات الضخمة التي تأكل الأخضر واليابس والتي تخيفه وتحيط به مثل الثعالب والجرذان وغيرها، معتقدًا أن تصوير هذه الحيوانات من شأنه أن يأسرها ويقيدها ويمنعها عن إيذائه، متخيلاً أن للفن قوة سحرية وبالفعل ذلك حقيقي.

الرسم بالفريسكو

تنوعت أشكال الفن واحتوت على العديد من الاكتشافات والمهارات اليدوية التي تم تقديمها من قبل فنانين ماهرين، والفريسكو هو واحد من أشهر الفنون المعروفة وتم تمريره عبر العصور، وهو نوع من الرسم على الجص الرطب، ومن هنا جاء التسمية “الفريسكو”، وتشير الأبحاث إلى أن الفريسكو يتم تنفيذه على جدران مغطاة بطبقة من الجص قبل أن يجف، ويتم رسمه بألوان مائية متنوعة، ولذلك فإن ألوان الفريسكو دائما هادئة بسبب امتصاص الجص لها.

غالبا ما يضع الفنان تصميمه الفني على الطبقة السطحية قبل تحديد الخطوط الخارجية للأشكال المختلفة باستخدام الألوان المائية. ويتبع ذلك وضع طبقات صغيرة من الجبس وتلوينها بألوان متوافقة قبل أن يجف. ويتم دعم هذه الطبقات بمساحات مناسبة من الألوان لتثبيتها وجعلها جزءا لا يتجزأ من السطح. ثم يترك العمل ليتفاعل ملح الكالسيوم الموجود في الجبس مع ثاني أكسيد الكربون في الجو لتكون طبقة فيلمية فوق الألوان الأساسية، مما يجعلها زاهية الرونق وتضفي عليها نصاعة مميزة. وتستخدم الألوان في الفريسكو على شكل طبقات متعددة، وتكون هذه الطبقات رقيقة وشفافة وغير داكنة، وتعطي الأعمال الفريسكو في عصر النهضة مظهرا متميزا بفضل الألوان المشبعة.

لوحات الفريسكو

لم تكن تلك الاكتشافات في السنوات الأخيرة، بل يعود تاريخ اكتشاف أول لوحة فريسكو إلى 1500 قبل الميلاد، وتم العثور على تلك الاكتشافات في جزيرة كريت القريبة من تركيا في البحر الأبيض المتوسط، وعثر أيضا على بعض اللوحات في حوض البحر الأبيض المتوسط، في مصر والمغرب، واعتقد لفترة طويلة من قبل بعض مؤرخي تاريخ الفن أن بعض فناني الفريسكو من كريت أرسلوا في بعثات تجارية إلى مختلف أرجاء العالم.

تُعد اللوحات التي تركها المصريون القدماء على جدران معابدهم ومقابرهم من بين أجمل اللوحات الفريسكو التي لا تزال محفوظة في المتاحف، وتجذب السياح للاستمتاع برؤيتها.

لوحة فريسكو الإيطالية

يقع هذا المعبد في جنوب إيطاليا داخل مستعمرة إغريقية يعود تاريخها إلى عام 470 قبل الميلاد، ويحتوي على بعض من أجمل اللوحات المكتشفة في إيطاليا، والتي وجدت تحت أطلال مدينة بومباي، وتعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وتم العثور على قطع أخرى تعود للقرنين الأول والثاني الميلاديين من نهاية الإمبراطورية الرومانية.

لوحات الفريسكو بالهند

حظيت الهند بعدة اكتشافات فاللوحات المكتشفة في الهند هي من القرن السادس الميلادي بينما المرسومة في كهوف أجانتا يعود تاريخها إلى مابين عامي 200 قبل الميلاد و 600 أما قصص الجاكاتا فهي تروي قصة حياة بوذا وهي أكبر لوحة للفريسكو في العالم وجدت في سيجيريا بسريلانكا وقد رسمت ما بين القرنين الخامس والسادس الميلادي.

تُعد العصور الوسطى، وخاصةً عصر النهضة في إيطاليا، من أكثر الفترات استخدامًا للفريسكو، حيث وُجد في الكنائس والعديد من المباني الحكومية في ذلك الوقت.

روائع التصوير الجداري

منذ الخليقة، اعتاد الإنسان على الصنع والابتكار، وكانت الفنون هي ما يحبه ويتمنى تطويره بشكل مستمر. وتعد الصور الجدارية التي اكتشفت في عام 1940 في كهف لاسكو، جنوب غرب فرنسا، تمثيلا للحيوانات المختلفة ومشاهد الصيد البارزة.

صور جدارية مكتشفة في ألتاميرا

في شمال إسبانيا، لفتت هذه اللوحات الجدارية التي تعود إلى حوالي 1500 قبل الميلاد انتباه الآثاريين والمؤرخين والفنانين والمهندسين، الذين أعجبوا ببقاءها لآلاف السنين دون أن تتأثر بأي شيء. دفعهم ذلك إلى دراستها والحرص على معرفة مكوناتها وتقنيتها، والحفاظ عليها وتطويرها. استخدم الإنسان القديم الألوان الترابية الغنية بأكسيد الحديد، حيث كان يمزجها في الماء لتصبح مثل الطين ويستخدمها في الرسم.

واستخدم الحوار المتميز بلونه الأبيض، وربما استخدم المواد الشحمية أو نخاع العظم في تثبيت الألوان، وكذلك الصبغة النباتية بعد غليها في الماء. وتجدر الإشارة إلى تدرج ألوان الصور الجدارية من الأصفر الترابي إلى الأحمر الترابي ثم إلى البني، وكان يتم التصوير الجداري على طينة كلسية من جص أو حوار، تغطي الجدار الحجري أو الترابي أو الطيني، في مساحات لونية، وسطحها محاط بخط. يبدأ العمل برسم تخطيطي على الطين ثم يقوم الفنان بتقوية خطوط الرسم التخطيطي بلون غام.

كان الإنسان القديم يستخدم أصابعه أو شعر الحيوانات لعمل فن التصوير الجداري على الطين الرطب، حيث يتم خلط مساحيق لونية بالماء وتوضع على طبقة الطين الرطبة على الجدار، وتتفاعل هذه المواد الملونة مع ذرات الطين خلال جفافها، مما يجعل سطح الطين صلبا وخشنا، ويعود ملمس الفريسكو إلى هذه التفاعلات الكيميائية.

تاريخ الفريسكو

يعود تاريخ الفريسكو أو الجصيلفترة قديمة، حيث تم صناعة أعمال تصوير جصية في حوض المتوسط وخاصةً في مصر والمغرب، وتم العثور على أعمال في اليونان والهند وغيرها، كما سجلت العديد من أعمال التصوير الجصي خلال عصر النهضة في أوروبا، وظلت آثارها واضحة في عدد من جدران الفاتيكان وإيطاليا.

الفريسكو في الفن القبطي

يعتبر الفن القبطي من الفنون التي لها ميزة تميزه عن غيره من الفنون له جانب خاص وفريد به يختلف عن أي فن بما يقدمه لنفسه ، وذلك لأن جميع الفنون التي سادت العالم المعروف، في أغلب اتجاهاتها فنون أرستقراطية تمجد الآلهة والطبقة الحاكمة، ولكن الفن القبطي كان ثمرة لتوقان الشعب المصري للتعبير عن ذاته في ظل قيم روحية جديدة تختلف تمامًا عن الوثنية، ومن البديهي أن يلجأ الفنان القبطي إلي تقليد ما يراه من نماذج إغريقية أو رومانية أو مصرية مع محاولة التخلص من بعض مظاهر الوثنية التي كانت تتميز بها هذه الفنون.

الايقونة في الفن القبطي

الكلمة القبطية تشير إلى الصورة الدينية، وتشمل صورة السيد المسيح والسيدة العذراء والرسل والقديسين والشهداء والملائكة وغيرها من المواضيع الدينية المذكورة في الكتاب المقدس أو في تاريخ الكنيسة. ونجد أن الأقباط اعتمدوا الرسم والتصوير عن أجدادهم الفراعنة، الذين كانوا أول من اخترعوا فن الرسم بالأيقونات القبطية. وقد تميز القبط الأوائل في العصور القديمة برسم صور دقيقة تثير الإعجاب والدهشة وتعبر عن العظمة في التقنية .

وقد استخدموا جميع المواد التي كانت معروفة لديهم ورسموا عليها أيقونات سواء بالنقش البارز أو بالرسم بالألوان ومن المواد التي ظهرت عليها أيقوناتهم كانت : الحجر لم يخل شيء في التراث بدون استخدام الحجر ففي بداية ظهوره كان بين الآثار القبطية القديمة بعض اللوحات التي نقشت بصور بارزة عن الجدران مثل “الثري دي “الآن ، مثل السيد المسيح والسيدة العذراء والشهداء وكان ذلك باستخدام الأحجار.

ملامح الأيقونة القبطية

عندما تدخل الكنائس، ستلاحظ تعبير الإعجاب والدهشة في عيونك بسبب ما تراه، لأننا لا نعرف سبب تمسك الأقباط بالخشب في الكنائس من الداخل. فقد اعتبر الأقباط الخشب مادة رائعة حفروا ونقشوا عليها صورا رائعة تزين أبواب وأعتاب الكنائس القديمة، ومنها حشوات القديسة بربارة ولوحة تصور السيد المسيح والحواريون من حوله. توجد أيضا في الكنيسة المعلقة صورة لأبي سرجة في حصن بابليون، تعود تاريخهما إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادي، مصنوعتان من العاج والعظ.

تم العثور بين آثار المتحف على ميدالية ذهبية لأحد الأساقفة أو البطاركة، وقد نُقشت عليها مناظر دينية بارزة، كما تم العثور على صور نُقشت عليها مشاهد دينية بارزة. وبالإضافة إلى ذلك، تم العثور على مبخرة من البرونز، والتي يتميز سطحها الخارجي بمشاهد رائعة من حياة السيد المسيح، ويرجع تاريخها إلى القرن العاشر الميلادي.

يأخذ التقليد الكنسي عدة أشكال، فالأيقونة هي جزء كبير منه، ويتطور عبر الأجيال في حدود روح التقليد، ولقد اهتم صانعو الأيقونات المنشغلون بالتراث القبطي وأباء الكنيسة الغيورين على تراثنا وطقوس الكنيسة بضرورة دراسة ملامح أيقوناتنا القبطية الأصلية والعودة إلى تراثنا، ولكن هذا لا يعني الالتزام بنسخ الأيقونات القديمة بالضبط كما هي، بل يجب أن ندخل إلى روحها ونحتفظ باتجاهها بطريقة عصرية. نحن لا نتمسك بالقديم لأجل القدماء، ولكن نفهم من خلاله فكرة آبائنا الأوائل، لأن الأيقونات القبطية ببساطة هي تعبير عن اتجاهات الكنيسة وأفكارها وتعاليمها وروحانيتها.

أسماء اشتهرت برسم الأيقونات

العديد من القديسين أظهروا اهتمامًا بالفن والزخرفة، ومن بينهم “القديس لوقا الإنجيلي” الذي كان من الرسل ويعتقد أنه كان مصورًا ماهرًا وأقدم من نبغ في فن التصوير في القرون الأولى المسيحية، وترك إرثًا غنيًا من الصور التي قدمها .

بالإضافة إلى “الأنبا مقارة”، البطريرك التاسع والخمسون (931-950 م) والذي ينحدر من بلدة بويج كما ذكر في دليل المتحف القبطي صفحة 173، كان “أبويسزبنيلج” أحد تلك العمالقة وهو أحد مصوري القرن الثاني عشر، وكان معروفًا برسمه لصورة السيدة الكبرى في كنيسة السيدة العذراء في حارة الروم .

ثم جاء الأنبا غبريال بعد ذلك، وهو الذي تم اختياره كبطريرك في عام 963م، واشتهر بموهبته وإبداعه حتى وصلت شهرته إلى حد النسخ في المخطوطات الملونة للأناجيل الأربعة، بالإضافة إلى رسم صور الملائكة والرسل بدقة وجمال الألوان والثبات. ولا يمكن أن ننسى الفنانين القبطيين القدماء، حيث جاء المصوران يوحنا الناسخ وبغدادي أبو السعد من القرنين السابع عشر والثامن عشر ليتركوا إرثا عملاقا، وكذلك المصور يوحنا الأرمني من القرن الثامن عشر، والمصور الروماني أنسطاسي الذي كان معاصرا للبطريرك الأنبا كيرلس الخام.

أثر الفن القبطي على العالم

لم يترك الفن القبطي أثرا يحمل فقط أيقونات مسيحية تحكي حياة السيد المسيح أو تكشف عن رحلة العائلة المقدسة، ففي القرون الأولى والثانية والسادسة، جذبت مصر العديد من قادة الكنيسة من الشرق والغرب لدراسة الكتاب المقدس واللاهوت في مدرسة الإسكندرية، وجاءوا ليعيشوا حياة الرهبانية في صحاريها المشهورة عبر العصور، وبفضل هذا الانفتاح للكنيسة المصرية، انتشر الفن القبطي والفرعوني غير مباشرة في العالم كله.

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى