الخلايا الملفوفة قد تكون سبب التهابات البنكرياس
تحتوي جسم الإنسان على عدد كبير من الغدد القنوية وغير القنوية، ومنها غدة البنكرياس التي تقع خلف المعدة وتفرز العديد من الهرمونات والإنزيمات التي تنظم عملية الأيض للسكريات في الجسم. إذا تعرضت تلك الغدة للاضطرابات والالتهابات، فإن ذلك يسبب اضطرابا كبيرا في العملية الأيضية وخاصة التهابات البنكرياس التي تنشأ نتيجة عدد كبير من الأسباب .
أهمية ووظائف البنكرياس
البنكرياس هو عضو في جهاز الهضم يقع في الجهة العلوية اليسرى من البطن وراء المعدة، ويبلغ طوله حوالي 4 إلى 6 بوصات، ويشبه السمكة أو ثمرة الكمثرى المنبعجة، وتشمل وظائف البنكرياس ما يلي:
يقوم الجهاز الهضمي بإفراز مجموعة من الإنزيمات التي تساعد على تسهيل عملية هضم الدهون، مثل إنزيم الليبيز، وتسهيل عملية هضم الكربوهيدرات، مثل الأميليز.
-يقوم البنكرياس أيضا بدور أكثر أهمية في عملية الهضم ؛ حيث يفرز هرمون الإنسولين من خلايا مجموعة تسمى خلايا جزر لانجرهانز، وهذا الهرمون هو المسؤول عن خفض نسبة السكر في الدم، ويتم أيضا إفراز هرمون الجلوكاجون من البنكرياس ويعمل على رفع نسبة السكر في الدم .
التهابات البنكرياس
يعد التهاب البنكرياس واحدا من أهم وأشهر الأمراض والاضطرابات التي تؤثر على البنكرياس، ويتسبب في الكثير من الحالات في الإصابة بسرطان البنكرياس. وتشير الإحصائيات إلى أن سرطان البنكرياس هو ثالث أكثر أنواع السرطان الذي يسبب الوفاة في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأكمله، حيث يحدث خلل في إفراز بعض المواد الكيميائية في البنكرياس ويمنع الغدة من أداء وظائفها الطبيعية في الدم، بالإضافة إلى أنه يسبب آلاما شديدة في جانب البطن للمريض .
أسباب التهابات البنكرياس
ويُذكر أن التهابات البنكرياس تحدث بشكل أساسي نتيجة الزيادة المفرطة في إفراز الإنزيمات من البنكرياس ؛ ومن ثَم تقوم هذه الإنزيمات بمهاجمة خلايا البنكرياس ، وهنا يشعر المريض بألم حاد يستمر لعدة أيام ، او قد تتحول إلى مرض مزمن يُعاني منه المريض طوال عُمره ، وهناك حالات مرضية أخرى تؤدي إلى الإصابة بالتهابات البنكرياس :
- يحتاج إلى إجراء عمليات جراحية في منطقة البطن .
- زيادة مستوى الكولستيرول في الدم
- زيادة نسبة الدهون الثلاثية (Triglycerides) في الدم .
- تكون الحصوات المرارية .
- السمنة المفرطة .
- الإفراط في تناول الكحوليات .
- تناول بعض أنواع الأدوية .
- سرطان البنكرياس .
- الإصابة بمرض التليف الكيسي .
بالإضافة إلى ذلك؛ هناك بعض التقنيات العلاجية المستخدمة لعلاج حصوات المرارة من خلال منظار القنوات الصفراوية الباطنية ERCP، والتي يمكن أن تؤدي إلى إصابة بعض المرضى بالتهابات في البنكرياس، وهذا الأمر غير شائع بين المرضى ولكنه محتمل خصوصا في الحالات التي تكون أكثر عرضة للإصابة بالتهابات في البنكرياس مثل حالات السمنة المفرطة وتناول أنواع محددة من العقاقير العلاجية .
الخلايا الملفوفة ووظائفها
الخلايا الملفوفة أو tuft cells هي عبارة عن خلايا موجودة بشكل كبير في جدران المعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة ، وهي تتواجد أيضًا في الغدد اللعابية والجهاز التنفسي ، ويتمثل الدور الأساسي لهذه الخلايا في أنها مسؤولة عن رد الفعل المناعي ولإطلاق خلايا T cell المناعية المساعدة عند تعرض الجسم إلى العدوى الطفيلية أو العدوى بواسطة الكائنات الأولية (البروتوزوا) .
تبين أن الخلايا الملفوفة توجد بنسبة عالية في الأمعاء لدى الفئران المصابة بالعدوى الطفيلية، وتنخفض نسبتها بعد علاج العدوى عند تلك الفئران المستخدمة في الدراسة بالمقارنة مع المجموعة الضابطة .
أشار العلماء إلى أن هذه الخلايا لها دور هام وفعال داخل الجسم، حيث تعمل كحراس للحدود في الجهاز الهضمي، حيث يتم تنبيه الجهاز المناعي الداخلي عند وجود طفيليات في الجهاز الهضمي، ليقوم بالرد الفعل المناعي المناسب والقضاء على العدوى. وتم العثور على هذه الخلايا بنسبة مرتفعة في بعض حالات إصابات الجهاز الهضمي، التي تتراوح بين الخطيرة والشديدة .
دور الخلايا الملفوفة في التهابات البنكرياس
في دراسة أجريت حديثا في معهد سولك للدراسات البيولوجية Salk Institute في مدينة لاهويا بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، قام مجموعة من العلماء والباحثين بفحص الخلايا الملفوفة في سبعة سلالات مختلفة من الفئران أثناء تطور مرض التهاب البنكرياس لديهم، وكانت النتائج مفاجئة ومدهشة؛ حيث وجد العلماء أن تكوين الخلايا الملفوفة لا يظهر في كل السلالات المفحوصة، بل يظهر في بعض سلالات الفئران دون غيرها، ووجدوا أيضا أن الحيوانات ذات التنوع الجيني الأكبر هي التي تتكون لديها الخلايا الملفوفة بشكل أكبر
وقد أشارت العالمة البيولوجية كاثلين ديلجورنو والمؤلفة الأولى في هذه الدراسة إلى أنه نظرًا إلى وجود تشابه كبير في التنوع الجيني بين فئات الفئران المفحوصة التي تكونت لديها الخلايا الملفوفة وبين التركيب الجيني للإنسان ؛ فإنه هناك احتمال كبير جدًا أن تكون الخلايا الملفوفة أحد أهم أسباب تطور حالات التهابات البنكرياس الشديدة ومن ثَم الإصابة بسرطان البنكرياس لدى الإنسان .
ومن جهة أخرى ؛ أشار بعض العلماء إلى أن التركيب الجيني المختلف لدى بني البشر قد يجعل أحدهم أكثر عرضة إلى تطور التهابات وسرطان البنكرياس بنسبة أكثر من غيرهم كما حدث في سلالات الفئران المختلفة التي قد شهدت الأنواع الأقرب في التركيب الجيني إلى التركيب الجيني المعقد في الإنسان معدل أكبر لتكوين الخلايا الملفوفة أي أن التهابات البنكرياس قد تكون ناتجة عن الطبيعة الجينية لجسم الإنسان .
وبناء على ذلك، أشار الباحثون في الدراسة إلى أنهم يحتاجون إلى إجراء المزيد من التجارب والأبحاث لمتابعة التعبير الجيني الذي يحدث أثناء تطور التهابات البنكرياس بشكل أعمق؛ وبالتالي، تحديد الجينات المسببة لزيادة تكوين الخلايا الملتفة أثناء تطور التهابات البنكرياس في الجسم، وقدرتها على استهدافها وإيقافها عن العمل، ومنع تطور الحالة المرضية .
حيث يأمل العلماء في أن تكون نتائج هذه الدراسة الحديثة مفتاحا جديدا للوصول إلى استهداف أسباب التهابات وسرطان البنكرياس، وبالتالي، القضاء عليها قبل تفاقم الحالة المرضية، وبالتالي تحقيق مفهوم الوقاية والعلاج المبكر ومنع تطور الحالة المرضية لدى مرضى سرطان البنكرياس وإنقاذ حياتهم .
تذكر أن نتائج هذه الدراسة تم نشرها في مجلة Frontiers in Physiology العلمية الدورية والدولية، في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير لعام 2020. لقد لاقت هذه الدراسة اهتماما كبيرا من قبل العلماء والباحثين والمتخصصين في الأبحاث البيولوجية وعلاج الأمراض العضوية. وذلك لأنها تعتبر خطوة جديدة قد تؤدي إلى إجراء المزيد من التجارب والوصول إلى علاجات أكثر فعالية وتأثيرا، بدلا من الطرق العلاجية الأخرى التي لا تنجح في علاج العديد من مرضى سرطان البنكرياس .