علم النفسعلم وعلماء

التقمص في علم النفس

في القرن التاسع عشر الميلادي، ظهر مصطلح التقمص في القواميس العربية بمسميات مختلفة. يعرف التقمص في علم النفس والتحليل النفسي باسم التوحد، ويعتبر نوعا من التوافقات التي تحدث بصورة غير واعية .

التقمص عملية يلجأ إليها الإنسان بدمج دوافع واتجاهات وسمات خاصة بشخص آخر داخل ذاته، بهدف تكوين جوهر أصيل يحدد أساس بنائه النفسي ويقوده في حياته .

تعريف التقمص

تعريف التقمص بالنسبة للتعريفات التحليل النفسي في المعاجم للعالم “لابلانش ، وبونتاليس” يعرف بمصطلح التماهي ويعرف على أنه (عملية نفسية يأخذ الشخص عن طريقها أحد مظاهر ، أو الخصائص ، أو الصفات من شخص آخر ، ويتحول هذا الشخص بطريقة كلية أو جزئية وفقا للنموذج الخاص به ، وتتكون الشخصية وتتميز من خلال مجموعة من الماهيات) .

يعرف التقمص أيضا بأنه عملية سيكولوجية يقلد من خلالها الفرد جانب ، أو خاصية ، أو سمة لدى شخص آخر ، ويتحول بشكل كلي أو جزئي بواسطة النموذج الذي يقدمه الشخص الآخر ، ويتم ذلك عن طريق سلسلة من التقمصات التي تقوم عليها أو تبين من خلالها الشخصية ، حيث أنه يمكن التعرف على أساس المفهوم في كتابات فرويد. وتحتوي المفاهيم الثلاثة البارزة والواضحة للتقمص كما وصفها فرويد إلى :

  1. التقمص الأولى.
  2.  التقمص النرجسي (ثانوي).
  3.  التقمص الجزئي (ثانوي).

في حين أن الاتفاق في أدبيات التحليل النفسي حول سهولة المعنى الأساسي للتقمص والذي يعني التشبه بالآخر أو الوصول للشبه بين الفرد والآخر، فإن موضوع التقمص لا يزال من أكثر الموضوعات التي تثير الحيرة في التحليل النفسي .

أنواع التقمص

ينقسم التقمص إلى ثلاثة أنواع أساسية لتعريفه وهي:

التقمص الأولي

التقمص الأولي هو الصورة الأصلية والأولية للتعلق العاطفي بشيء ما أو شخص معين، قبل أي علاقات مع الأشياء أو الأشخاص الآخرين. يعتبر التقمص الأولي الأكثر أهمية للفرد. فمثلا، يكون التقمص الأولي مع الأب قبل تاريخ الفرد الشخصي مع والديه. ويرمز ذلك إلى أن الطفل عند ولادته ليس قادرا على التمييز بين نفسه وبين الآخرين من حيث الأهمية. يتشبث الطفل عاطفيا بوالديه ويتعامل معهم على أنهم جزء منه، مثلما يعتبر حلم الأم جزءا من جسدي، أنا أيضا .

يقوم الأطفال خلال عملية التقمص بمحاكاة سلوكيات الوالدين بطريقة غير واعية وغير مقصودة، ويربطون بذلك أنفسهم بملامح هؤلاء الوالدين، ويحاكون تصرفاتهم بشكل متطابق. ويؤكد فرويد ضرورة التمييز بين التقمص والمحاكاة أو التقليد، حيث يقوم الفرد بالتقليد بشكل واعٍ ومقصود .

ويتوقع أن يتطور الطفل نتيجة لهذه العملية التعاطفية (الأنا العليا)، والتي تتشابه مع القيم الأخلاقية والمبادئ التوجيهية التي يعيشها الوالدين حياتهم، من خلال هذه القيم. وخلال هذه العملية، يكون الأطفال متشابهين إلى حد كبير مع والديهم، مما يسهم في تعلمهم للحياة في العالم والثقافة التي ولدوا وتربوا فيها .

يُولى المحللون النفسيون أهمية كبيرة للتقمص الأولي، رغم وجود اختلاففي المفهوم وفقًا لكل مؤلف وتبعًا لأفكاره، ويتم التباعد عن المعنى الدقيق .

 التقمص النرجسي أو الثانوي

التقمص النرجسي هو صورة من أشكال التقمص، حيث يتميز بالتخلص من هدف معين أو فقدانه. تبدأ هذه التجربة الفاقدة في سن مبكرة جدا. ودليل على ذلك هو ارتداء ملابس أو مجوهرات تنتمي لشخص محبوب منتقل إلى الآخرة. في كتابه المشهور (حزن وكآبة)، ذكر فرويد أن التقمص يشكل مرحلة تسبق اختيار الهدف أو الشيء المفقود، ويقول إن تجربة الفقدان تكون عملية متحركة بشكل معاكس تساعد على توافق التقمص الذاتي مع الهدف أو الشيء المفقود .

وفي كتابه (الأنا والهو)، يعيد فرويد التأكيد ويكرر أن هذا النوع من الاستبدال له تأثير كبير في تشكيل الأنا، ويساهم بشكل أساسي في بناء الشخصية المعروفة باسم (الشخصية)، ويرغب الفيلسوف `لاكان` في نظريته حول الخيال في تطوير هذه النقطة الأخيرة، حيث يرى أن الأنا تتأسس في أساسها عن طريق مجموعة من التقمصات المغتربة، وهذا جزء من مناقشته لأي تصور خال من الصراع ومستقل للأنا .

التقمص الجزئي

يعتمد التقمص الجزئي على معرفة ميزة خاصة لدى شخص آخر، وعادة ما يكون هذا المثال أو النموذج المثالي هو صورة شخصية قيادية، ويمكن تقمصها. ومثال على ذلك، يمكن للصبي الصغير أن يتقمص جاره الأكبر منه في السن والذي يتميز بالعضلات القوية. وبعد مرحلة التقمص، يتوحد الأشخاص مع بعضهم البعض بسبب المميزات التي يشتركون فيها

تلعب هذه الآلية دورًا هامًا في تكوين المجموعات وتساهم في تطوير الشخصية، حيث يحب مجموعة من الأشخاص نوعًا معينًا من الموسيقى، ويتجسد الذات من خلال التقمص في المجموعة .

يعمل التقمص الجزئي على تعزيز الحياة الاجتماعية للأشخاص، الذين سيكونون قادرين على التواصل مع بعضهم البعض بواسطة تلك الرابطة المشتركة بينهم، ويقول فرويد أن التقمص هو العملية التي تشكل شخصية الفرد، ويؤكد فرويد أن التقمص قد يدل على خاصية في الشخصية ولكنها غير كاملة، بإمكانية توفير مجموعة متنوعة من التقمصات في الشخصية الواحدة .

يحدث التقمص عندما تتأثر الذات بذات آخر خاص، حيث يتم نقل سمات ومميزات شخصية من فرد إلى آخر كنوع من التقليد، ولكن بصورة أقوى لترسخ في الشخصية وتدوم عليها، ومن خلاله يكتسب الفرد توجهات ومميزات شخصية جديدة .

يتم التقمص من خلال وسيلة بناء الشخصية وتكملة البناء السابق في حالة معينة، ويحدث ذلك في حالة الانتقال الجزئي أو التقمص النسبي من فرد إلى آخر .

معنى آخر للتقمص في علم النفس

التقمص هو ارتداء القميص، وقميص الروح هو الجسد، ويمثل التقمص انتقال الروح الخالدة من جسد متوفى إلى جسد آخر حديث الولادة، وهو اعتقاد قديم جدًا وانتشر بشكل ملحوظ .
نجد أن فكرة التقمص متجذرة في الفلسفة اليونانية القديمة، حيث كانت الفكرة الرئيسية هي تنقية الروح من خلال سلسلة من التجسيدات حتى تتحرر الروح النبيلة وتعود إلى الحالة الإلهية الأصلية .

أما في الفكر اليوناني : تؤكد المدرسة الفيثاغورية على أن احتواء النفس داخل الجسد هو عقوبة للنفس إذا كانت غير صالحة، ويمكن للآلهة إعادة إحياء النفس في جسد آخر، ويتم تبادل الأفكار نفسها لدى أفلاطون الذي يروج لفكرة أن النفس الغير صالحة يتم تحويلها عن طريق الولادة إلى حيوان كجزاء لها .

قاد الفيلسوف الألماني “شوبنهاور” فكرة التناسخ، وهي انتقال روح الإنسان إلى إنسان آخر، ورفض كلا من الديانتين اليهودية والمسيحية لأنهما تتعارضان مع مبدأ الوجود الماضي في الفلسفة. لكن فكرة التقمص حاضرة أيضا في الديانات مثل الهندوسية والبوذية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى