التاجر عبدالله العماني الذي خلد أسمه في تاريخ الصين
لا شك أن سكان عمان كانوا رابطة حقيقية بين الشرق والغرب في القارة الآسيوية عبر التجارة والنشاط الاقتصادي الطويل لهم عبر التاريخ. وتحديدا بين العرب ودول شرق آسيا، حيث كانوا يجوبون البحار والمحيطات بمهاراتهم البحرية المعروفة، ويحملون معهم قيمهم ومختلف أنواع البضائع التي كانت مطلوبة بشكل كبير في مختلف الحضارات .
لذلك، كانت العلاقات التاريخية بين عمان والعديد من الحضارات وثيقة وقوية إلى حد كبير، ومن العلم ما وجد في العديد من المواقع في السلطنة، والتي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الميلاد، وتحتوي على أواني وعملات وبضائع لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال الحضارات المجاورة في تلك الفترة التاريخية، ومن بين تلك الحضارات كانت الصين .
أهمية الحضارة الصينية في القارة الأسيوية :- – الحضارة الصينية كانت من أهم الحضارات القديمة في قارة آسيا، ويتضح لنا من ذلك بلا شك أن هذا الازدهار الحضاري قد ساهم بشكل فعال في تطوير حركة التجارة بين الصين والسلطنة، ويدل على ذلك وصف القزويني لميناء في الهند كموانئ تقع في منتصف الطريق بين الصين وعمان .
و حينما نقوم بملاحظة هذه المساحات الجغرافية الشاسعة في المحيط الهندي ، و التي أختصرها الجغرافيون العرب ، و هم يصفونها بأنها مثلاً بين الصين ، و عمان فهذا له أكبر مدلول على كثرة الرحلات التي كانوا يقوم بها أهل عمان إلى الصين علاوة على الربط فيما بين الشق الأسيوي ، و الشق العربي إضافةً إلى الشق الأفريقي .
و لقد دونت المصادر التاريخية الصينية نفسها تفاصيل رجل قدم من عمان إلى الصين في خلال عام 920 م ، و هي إشارة مهمة ، وواضحة إلى تواجد الجالية العمانية في الصين منذ القدم بل ، و استمرار العلاقة التجارية بين البلدين على الرغم مما كانت تعاني منه الصين في تلك الفترة الزمنية من تاريخها من اضطرابات سياسية متعددة .
يجدر بالذكر أن التجار العمانيون هاجروا من الصين إلى سنغافورة وسومطرة خلال الفترة الصينية المضطربة، وبسبب البضائع التي جلبوها تزدهر معدلات التجارة في هذه الدول، ومن بين هذه البضائع: الذهب والفضة، والحرير والمنسوجات، بالإضافة إلى الصندل والعاج والبخور والمرجان واللؤلؤ والأنبوس والقطن .
أبرز ما ذكرته المصادر الصينية عن العمانيون :- يذكر في المصادر التاريخية الصينية محاولة إمبراطور الصين، بعد استقرار البلاد تحت حكمه في القرن العاشر الميلادي، محاولته الحثيثة لجذب تجار عمانيين مرة أخرى إلى الصين عن طريق تقديمه لهم العديد من التسهيلات. وفعلا، نتيجة لاستقرار الصين في تلك الفترة والتسهيلات التي قدمها الإمبراطور، عاد تجار عمانيون مرة أخرى لممارسة أنشطتهم الاقتصادية في الأراضي الصينية .
كما ذكرت المصادر الصينية أيضاً أن الوفود العربية التي كانت تمثل نفسها كالسفارات في الصين وصل عددها إلى ما هو أكثر من 39 وفداً منذ عام 924 م إلى عام 1208 م إلى جانب ما ذكره أحد المراجع التاريخية الصينية من أهل عمان يعيشون على لحم الضأن ، و الحليب ، و الخضروات ، و الأسماك كما يجرى إنتاج اللؤلؤ على طول الساحل العماني .
من هو التاجر العماني الذي خلد أسمه في تاريخ الصين :- – واحدة من أهم الشخصيات العمانية التي وثقتها التاريخ الصيني هي شخصية التاجر عبد الله العماني الذي كان رجلا ثريا يدير تجارته بنفسه. كان يعيش في الصين حيث كان يشغل منصب رئيس الجالية العربية هناك، وتحديدا خلال فترة حكم أسرة الأمبراطور سونغ. كما كان يعمل أيضا كمندوب معتمد لدى الصين عن مدينة صحار، التي كانت عاصمة السلطنة في الماضي .
بالإضافة إلى كونه سفيرا للخليفة لدى الأمبراطور الصيني، عين كضابط للهجرة من قبل الأمبراطور الصيني. وقد سجلت بعض المصادر التاريخية الصينية العلاقة بين التاجر عبد الله العماني والأمبراطور الصيني، حيث ذكر المؤرخ الصيني الشهير سو شي أن “الشيخ عبد الله” زار شخصيا العاصمة كاي فانغ، عاصمة سلالة سونغ الشمالية، لتقديم مراسيم الاحترام والتقدير للأمبراطور، وتقديم الهدايا .
كان للشيخ عبد الله العماني العديد من الأعمال الخيرية في الصين، وبسبب ذلك أحبه الشعب الصيني كثيرا. اعتلي بوساما من قبل الأمبراطور الصيني وأطلق عليه لقب الجنرال، وتقول بعض المصادر الأخرى أنه لقب بجنرال الأخلاق. عندما أراد هذا التاجر العماني العودة إلى وطنه عمان، أهداه الأمبراطور جوادا أبيض وسراجا باعترافه بمكانته الهامة والمرموقة في الصين .