الاقتصاد الإسلامي بين المعيارية والوضعية
تفريق الاقتصاد الوضعي عن الاقتصاد المعياري أمر مهم للغاية من الناحية العلمية، لأن عدم التفريق بينهما بشكل صحيح ودقيق يؤدي إلى انحراف في المنهج والأسلوب العلمي، كما يؤدي إلى وجود خلل وعدم دقة في تحديد هيكل النظام الاقتصادي.
إن علم الاقتصاد كواحد من العلوم الاجتماعية، يهتم بالتنبؤ أو بتحديد أثر التغيُّر في العوامل الاقتصادية على السلوك البشري، ويحاول الاقتصاد الوضعي أن يحدد ماذا يكون؛ إذ هو يفترض وجود علاقة يمكن بحثها وتحليلها.
يعتمد الاقتصاد المعياري على المعلومات والأحكام الأخلاقية التي يحصل عليها من الاقتصاد الوضعي لدعم سياسة معينة من بين السياسات البديلة. ويمكن تحديد أهمية الاقتصاد المعياري في النظام الاقتصادي من خلال قضيتين رئيسيتين
– القضية الأولى
أن الاقتصاد المعياري هو الذي يحدد هيكل النظام الاقتصادي، فهو يحدد هدف النظام وطبيعته وحركية عمله، فأي نظام اقتصادي هو انعكاس لفلسفة المجتمع، ف النظام الاقتصادي الرأسمالي مثلاً هو انعكاس للفلسفة الرأسمالية التي تنطلق من الحرية الفردية، والتي هدفها تحقيق الكفاءة الاقتصادية.
يتم إطلاق النظام الاقتصادي الإسلامي على أساس مبدأ واضح يقوم على أن الشريعة الإسلامية هي التي تحدد القواعد والمبادئ الإسلامية، مثل حرمان الربا واستخدام نظام المشاركة وتطبيق مبدأ الزكاة.
– القضية الثانية
أن اتخاذ ورسم السياسة الاقتصادية عادة ما يتم من خلال الاقتصاد المعياري؛ إذ هو الذي يحدد طبيعة الاختيار بين البدائل المتاحة.وفي الاقتصاد الإس لامي، فإن المعايير الإسلامية هي التي تحدد قواعد النظام، وتحدد الأسس التي يتم اتِّباعها لكيفية تحديد الأولويات، ومن ثَمَّ اتخاذ القرار الاقتصادي.
ومن الأمثلة على ذلك قاعدة “درء المفاسد أولى من جلب المنافع” وقاعدة “الغنم بالغرم” وقاعدة “لا ضرر ولا ضرار” وغيرها من المعايير والقيم والقواعد الإسلامية.
والواقع أن الاقتصاد الإسلامي يدرس السلوك الاقتصادي للناس الذين يعيشون وَفْقًا لمنهج الإسلام في الحياة، المنهج الذي يشمل الجوانب الاقتصادية في الحياة مثلما يسع الجوانب الأخرى: الخُلقية، والروحية، والاجتماعية، والسياسية وغيرها.
لذا، فالاقتصاد الإسلامي لا يهمه مجرد الجوانب الوضعية من السلوك الاقتصادي، وإنما الجوانب المعيارية أيضًا، ومثلما يخطئ الادعاء بأن علم الاقتصاد وضعي في مجمله، نخطئ إذا ما افترضنا أن الاقتصاد الإسلامي معياري بمجموعة؛ بدراسة الجوانب الواقعية من السلوك الاقتصادي لا تقل أهمية في الاقتصاد الإسلامي عن الجوانب المعيارية.
يجب أن يستند الاقتصاد الإسلامي كنظام للإنتاج والاستهلاك والتوزيع إلى مبادئ الحلال والحرام. يجب أن يكون الإنتاج إما جائزا أو غير جائزا، وبالإضافة إلى ذلك، يؤخذ في الاعتبار في الاقتصاد الإسلامي مبدأ العائد الاجتماعي كمعيار يتم تطبيقه على الإنتاج، وليس تحقيق أقصى ربح شخصي ممكن فقط. قد يحقق إنتاج سلعة ما ربحا شخصيا للمنتج، ولكنه يتسبب في أضرار كبيرة للمجتمع، سواء أضرار مادية أو أضرار أخرى مثل التأثير على العقيدة الإسلامية أو تلويث البيئة.